مشعل الحارثي
لا خلاف على أن صناعة السينما تعتبر اليوم تجارة عالمية رابحة، مبنية على مبدأ العرض والطلب، والتي وصلت مداخيلها عام 2018م وحسب آخر الإحصائيات إلى (136) مليار دولار، فيما لازالت المؤشرات الاقتصادية تشير إلى ارتفاع متزايد لسوق الطلب على هذه الصناعة مع انفتاح أسواق العالم على الإنتاج السينمائي، ووسط ذلك كله إلا أن إنتاج الأفلام ذات المستوى العالمي الرفيع التي تعرض الأحداث والوقائع التاريخية من وجهة النظر العربية والإسلامية تعد قليلة جداً، والجيدة منها تعد على أصابع اليد الواحدة.
وتأتي السينما السعودية اليوم كأحد هذه القطاعات الواعدة التي وضعتها رؤية المملكة 2030 ضمن مستهدفات وبرامج تنويع اقتصاد المملكة باعتبارها من أكثر الفنون تأثيراً في المجتمع، ومن الأنشطة الثقافية وأحد عناصر صناعة الترفيه وتحسين جودة الحياة. وقياساً على ما حققته السينما السعودية منذ انطلاقها من نتائج مبهرة وقفزات نوعية، رغم حداثة التجربة التي لم تتجاوز بضع سنوات فأصبح لدينا الآن (66) صالة عرض صنفت الأعلى على مستوى الشرق الأوسط والمنتشرة في (22) مدينة وبإجمالي (618) شاشة، وقدرة استيعابية تصل إلى (62.530) مقعداً وإنتاج محلي، ومشاركة في المهرجانات السينمائية العالمية، وهو ما يبشر بمستقبل واعد وبمخرجات سينمائية سعودية منافسة على شباك التذاكر العالمية.
ومن منطلق اهتمام ورعاية المملكة بهذا القطاع ودعمها لصناعة وتشجيع إنتاج الأفلام السينمائية المحلية ودور هيئة الأفلام بوزارة الثقافة التي تهدف إلى بناء وتنمية هذا القطاع، وتشجيع الإبداع والكوادر الوطنية فإن إنجاز سلسلة سينمائية وثائقية درامية بدءاً من سيرة جلالة الملك عبد العزيز ومن كان حوله من الرجال والشخصيات البارزة التي ساهمت في بناء الوطن سيتيح للأجيال الجديدة وما يليها جوانب مختلفة وجديدة من رحلة بناء المملكة مقارنة بواقعهم الحالي، والتعرف على بطولات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن مؤسس الدولة السعودية الحديثة -طيب الله ثراه-، وعلى جهاده العظيم في بناء ونهضة الوطن الذي نجني اليوم ثمراته الطيبة في ظلال حكم رشيد هدفه الأول بناء الإنسان على أسس سليمة وتحقيق أمنه وأمانه وقيادته نحو المستقبل بخطى ثابتة ومدروسة وفق ما أراده كل مخلص وغيور على مصلحة الوطن ومستقبله. وحسب علمي أن المخرج السينمائي الراحل مصطفى العقاد سبق له زيارة المملكة العربية السعودية عام 1417هـ والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وقت أن كان أميراً للرياض، والأمير تركي بن سلطان وكيل وزارة الإعلام الأسبق رحمه الله ودار الحديث حول إخراج فيلم يروي القصة الكاملة لكفاح الملك المؤسس عبد العزيز، وإقامته الدولة السعودية في شبه الجزيرة العربية. كما سبق أن ذكر لي صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز -رحمه الله- وفي حوار صحفي أجريته معه عام 1419هـ بمناسبة الاحتفال بمئوية المملكة أنه تم ترشيحه من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- للقيام بدور الملك عبد العزيز في فيلم تاريخي كان يتم الإعداد له آنذاك. ونود الإشارة أنه إلى جانب المردود الاقتصادي المربح لإنتاج مثل هذه الأفلام، وما ستضيفه من توعية وتثقيف وتوثيق، فهناك أيضاً ملايين العرب والمسلمين والسعوديين المقيمين والدارسين بالخارج الذين يجب الوصول إليهم وإكسابهم فخر الانتماء لهذه الأمة بمواضيع تاريخية وإسلامية عامة، أو بمواضيع تحوي حضارتهم ومساهمتهم في هذه الحضارة الإنسانية، مع الحرص على إنتاجها باللغة العربية وبعدة لغات أخرى؛ لتكون الرد الموازي للآخر من غير المسلمين لما يبثه أعداء العرب والإسلام بالخارج من أفلام مليئة بالمغالطات والتجاوزات والافتراءات. وهي أيضاً ومن جانب آخر، تعتبر فرصة ثمينة للمبدعن من المخرجين السينمائيين لتخليد أسمائهم في عالم السينما الساحرة، وخاصة عندما يغوصون في مخزون أرض الجزيرة العربية الغنية بتاريخها، والزاخرة بتراثها ومواضيعها وسير أبطالها ورموزها الخالدة.