د. ناهد باشطح
فاصلة:
«ليس كل ما يُعرف يُقال، وليس كل ما يُقال يُنشر»
- الإمام الشافعي -
* * * * *
ماذا تعرف عن التلصّص الرقمي «Digital Voyeurs»؟
يشير التلصّص الرقمي إلى الاستهلاك الهوسي لحياة الآخرين الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي. بخلاف التلصّص التقليدي، الذي غالبًا ما يحمل دلالاتٍ شريرة، يغلف التلصّص الرقمي في مواقع التواصل الاجتماعي بنوايا طيّبة من التعاطف المزيّف لقصص المشاهير المؤلمة. قبل أن تقرّر تداول قصة مؤلمة تتناول حياة أحد المشاهير والتي ظهرت لك أثناء تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، لثانية واحدة اسأل نفسك لو أنت صاحب هذه القصة هل ستحب أن يتداولها الناس أم لا؟
الأسبوع الماضي نشر أحد المواقع الرسمية خبر القبض على ممثلة لتعاطيها المخدرات وتم نشر اسم الممثلة، تعاطف الغالبية معها وعبروا عن رفضهم التشهير بها، وقام الناس بتداول الخبر مرفقًا بالتعليقات العاطفية، ومقاطع من حياتها الخاصة، بحجة التعاطف أو الدفاع عنها، وهذا مثال حي لكيفية تحول النيَّة الطيِّبة إلى أداة أذى رقمي. يذكِّرني هذا بمقولة شهيرة لصحيفة النيويورك تايمز «إعادة نشر الفضيحة ليست سلوكاً محايداً، بل أنت توفر لها الأوكسجين لتكبر»
التعاطف الحقيقي لا يحتاج إلى فضح، إذا أردت أن تتعاطف، لا تنشر القصة مجددًا، لا تكرر الألم، لا تضع اسم الضحية في العنوان.
نيتنا سليمة في إنكار التشهير بها، لكن هذه النيَّة لا تعفينا من المساهمة في انتشار خبر لا أظن الفنانة يسعدها أن ينتشر مهما كانت تفاصيله.
من المهم أن نراجع نوايانا حين نقترب من مشاعر الآخرين.
هل نفعل ذلك بدافع إنساني حقيقي؟ أم أننا نُشبع فضولًا داخليًا قد يتحول إلى أذى، حتى وإن كنا نظنه تعاطفًا؟
وهناك أسئلة أخرى
ألم نساهم نحن الذين تداولنا الخبر في التشهير بها، فكم من شخص لم يكن يعرف بالقصة وكنا السبب في انتشارها؟
ما الفارق بين تداولنا قصص الناس أو المشاهير المؤلمة وبين تتبّع العورات؟
إذا كان البحث عن أسرار الناس الخفية وعيوبهم بنية كشفها أو التشهير بها، حذر منه ديننا فقال سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام: «من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته»، فماذا نسمي ملاحقتنا لفضائح المشاهير في زمن لم تعد الخصوصية فيه محمية، بل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي حلبةً لفضح الأسرار والكثيرون يشاركون، دون إدراك أن مجرد إعادة النشر، يساهم في إيذاء صاحب القصة.
المشاركة لا تعني فقط النشر، بل تشمل الدخول على الصفحات التي تتداول أسرار الناس.
هذا سلوك يُعد مشاركة فعلية في التتبع، حتى إن غلفه بعضهم بنية التعاطف أو الاستنكار.
في حادثة الإفك، عندما أشاع المنافقون اتهامًا باطلًا في حق السيدة عائشة رضي الله عنها، وقع بعض المؤمنين في خطأ ترديد تفاصيل الحدث رغم أنهم لم يبتدعوه، فجاء الرد القرآني واضحًا:
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النور.
إن ستر العيوب خير من الخوض فيها، وأن تكرار الحديث عن الفضائح - حتى بالتعاطف أو الإنكار- قد يكون مشاركة في التشهير.
النيَّة الطيِّبة لا تُعفي من مسؤولية الأثر، والرحمة الرقمية تبدأ من قرارك: هل ستعيد النشر؟ أم تختار الصمت؟
المصادر:
- Gibson, E. D. (2025, January 14). Is Social Media Making Us Digital Voyeurs? Medium.
Retrieved from https://medium.com/@edgibson/digital-voyeurs