د. سطام بن عبدالله آل سعد
مجدٌ هنا... وهناك مجدٌ
إذا كانت المملكة اليوم تفخر بإنجازاتها في الاقتصاد، والطاقة، والصناعة، والذكاء الاصطناعي، وتتباهى أمام العالم برؤيتها الطموحة 2030، فإن من حقها أيضًا أن تفتخر بنادٍ وطني أثبت أن الطموح لا يُترجم بالخطابات، إنما يُصنع في الميدان: الهلال.
هذا الكيان الأزرق، الذي تجاوز حدود الجغرافيا، واقتحم قوائم النخبة، ودوّن اسمه ضمن أفضل أندية العالم، لم يكن وليد صفقة عابرة أو حملة تسويقية عارضة، بل هو ثمرة رؤية وطنية نضجت بالتخطيط، والعمل، والاستمرارية، وبعقلية لا تعرف سوى القمة.
الهلال تجاوز كونه فريقاً ينافس ويتأهل؛ إلى مشروع رياضي متكامل، يُجسد ما يمكن أن تحققه الأندية حين تُدار باستراتيجية وطنية ذات بُعد عالمي. وبينما تستعد أندية العالم لمواجهته، يحق للرياضة السعودية أن تضعه ضمن رموزها الوطنية، كما تضع أرامكو ونيوم والقدية في سجل إنجازاتها الكبرى في ميادين أخرى.
الهلال اليوم هو أكثر من نادٍ... هو قيمة وطنية حيّة، تُكتب بحروف الإنجاز على العشب الأخضر، وتعكس ملامح السعودية الطموحة.
إنّ فوزه على باتشوكا المكسيكي بهدفين دون رد كان إعلانًا صريحًا بأن نادي القرن الآسيوي لا يزال حاضرًا، متألقًا، يكتب المجد من جديد، رغم افتقاده لأبسط مقومات الجاهزية. فقد خاض البطولة بلا مهاجم صريح، وبمدرب تولّى المهمة في توقيت حرج، وبتشكيلة شبه خالية من البدلاء، ومع ذلك لم يبحث عن أعذار، بل اتجه نحو المرمى بثقة، وطرقه حتى استجاب له.
منذ صافرة البداية، بدا الهلال وكأنه يعيد صياغة بيان جديد لكرة القدم السعودية، بيان يحمل توقيعه دون حاجة لحبر أو ورق. ثلاث مباريات ظهر فيها الفريق كبطل حقيقي، مبادر، مسيطر، ومندفع بلا تردد نحو مرمى الخصوم، حتى أن بعض الفرق بدت وكأنها تنتظر إذنًا لمجاراة إيقاعه العالي.
هذا الفريق، الذي لم يتكئ على صفقات ضخمة، ولا على دعم استثنائي، ولا على جدول مريح، تجاوز كل تلك التحديات مستندًا إلى شخصيته وهويته. فهو معتاد على التألق تحت الضغط، وعلى الارتقاء حين تضيق الخيارات، وعلى صناعة الحلول حين تنعدم الأدوات. ولهذا، حجز مكانه بين نخبة الأندية الكبرى على مستوى العالم، ممثلًا لقارة آسيا والعرب بكل جدارة.
الهلال اختصر تطور كرة القدم السعودية، ومنحها ملامح وهوية تفرض احترامها عالميًا. وحين يُطرح السؤال عن سرّ فريق يصنع الفارق رغم الغيابات، ويُبدع في كل الظروف، فالإجابة لا تختلف: الهلال.
ورغم موسمٍ مثقل بالإصابات، والقرارات التحكيمية المثيرة، والضغط الجماهيري الهائل، خرج هذا الكيان من عنق الزجاجة، ليواصل المسيرة، ويقارع نخبة أندية العالم، في مواجهةٍ حقيقيةٍ لا تعرف المجاملة، ولا تعترف بالفوارق النظرية.
وها نحن نترقّب مواجهته القادمة أمام مانشستر سيتي، بقدرٍ من الترقب، تكسوه الثقة، ويعلوه الفخر، ليُقدّم أفضل ما لديه، ويفرض نفسه حاضرًا بقيمته، وصانعًا لمكانته في أعين المتابعين والخصوم على حد سواء. ننتظر مباراة تليق بتاريخه، وبمشروعه، وبمستوى نادٍ لا تصنعه الأسماء، بل تشكّله الجماعية، والانضباط، والإرادة.
الهلال هو الفلسفة الكروية الممتدة في الاستمرارية، والتحدي، وتحقيق الإنجاز، وهو منتجٌ سعوديٌّ مشرّف يتألّق دائمًا في سماء المنافسات العالمية.
أجل، يحيا الهلال... ويحيا مجده
** **
- مستشار التنمية المستدامة