خالد محمد الدوس
تمر الأيام، وتنقضي الأشهر وتنطوي السنوات ونظل نحمل في قلوبنا ذكرى من رحلوا، كأنما ودّعونا البارحة..!، فراق الأحبة لا يعرف زمناً، ولا يخضع لقانون النسيان.. بل يظل القلب يتذكر.. والعين تدمع كلما مرّت ذكراهم.
الشيخ العم عبدالله بن محمد اليوسف -رحمه الله تعالى- الذي رحل عّنا قبل سنوات مضت وكأنها يوم واحد..!! يوم طويل من الحنين وأنت تغيب عنا جسدا لكنك لا تزال هنا حاضرا في القلوب والوجدان.. وفي درس من دروس الحياة التي علمتنا إياها بصمتك الحكيم ووقارك الذي يشبه الجبال في ثباتها وعظمتها.. تذكّرنا بمنهج أهل العلم والحكمة الذين تركوا بصمة خالدة في تربية النفوس.
كان -رحمه الله- بمثابة مدرسة كاملة في الأخلاق لم تكن كلماته تحتاج إلى ضجيج، ولا مواقفه إلى عبارات.. فقد كان صمته بلاغا، ووقاره حكمة، وأخلاقه سفرا يقرأ.. علمنا -رحمه الله تعالى- أن العظمة ليست في رفع الصوت.. بل في عمق التأثير، وأن القيم ليست شعارات براقّة بل هي سلوك يومي ينطق به القلب قبل اللسان..!
عاش العم الراحل الشيخ عبدالله بن يوسف (ثمانين عاما) كقدوة صالحة وأسوة حسنة في نسقنا القرابي ومحيطنا الاجتماعي العائلي، وكان مثالا نادرا للشيخ الوقور والزاهد.. العابد الذي يُبني بعمله قبل قوله، ويربي بفعله قبل كلامه.. لم يكن -يرحمه الله- من أولئك الذين يتحدثون كثيرا في المجالس والاجتماعات العائلية لكنه كان من النوع الذي إذا نطق سمعت الحكمة تنبعث من بين كلماته الإيمانية وعباراته التربوية، كان صمته درسا في التواضع ووقاره تعليما في الاحترام والأدب الجم وابتسامته العفوية رسالة في التسامح مع الآخرين والتصالح. مع الذات.
لقد عاش العم الغالي (أبو فهد) -رحمه الله تعالى- حياته كلها مُعّلما غير مدرّس.. يرشد بالقدوة لا بالخطابة، يربي بالحال قبل المقال.. كان يعلم أن القيم لا تورث بالكلمات بل تغرس بالأفعال فكان حريصا على أن يكون أول الملتزمين بما يدعو إليه.
رغم أن الموت يخطف الأجساد إلا أنه لا يستطيع أن يمحو الأثر الطيب والسيرة العطرة.. لقد ترك العم الراحل الشيخ عبدالله بن يوسف وراءه إرثا من القيم الاجتماعية الأصيلة والشيم الدينية الفضيلة ستظل تذكّرنا به كل يوم بعد أن اتفق كل من عرفه عن قرب على محبته، لأنه يرحمه الله بتواضعه كان يعامل الجميع باحترام.. كبيرهم وصغيرهم.. غنيّهم وفقيرهم، لم يكن يُعلّم الفضيلة فقط، بل كان يجسّدها في تعامله مع أهله وأبنائه وجيرانه وأصحابه كمنهج جبل عليه من بواكير عمره.. ومن أثر تنشئته التنشئة الدينية والاجتماعية والتربوية السليمة في بيت صالح عرف عنه الالتزام الديني والقيمي.. من والده الشيخ محمد بن يوسف، والعمة موضي الدرح -رحمهما الله تعالى-، ومعروف أن البيت الصالح هو ذلك البيت الذي تقوم أركانه على أسس إيمانية وأخلاقية راسخة تطبق تعاليم الدين الإسلامي القويم في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي انعكست تنشئته الصالحة -رحمه الله- على تربية أبنائه على النهج التربوي السليم والأُسس الإيمانية الصحيحة.
حتى لو مرّت الأيام وهرولت السنوات يبقى فقد الأحبة ورحيلهم عن هذه الدنيا الفانية مؤلما وموجعا.. لكن العزاء يكمن في أن حياة مثل هؤلاء الرجال الصالحين.. الناصحين.. لا تنتهي بموتهم..! بل تبقى سيرة عطرة (تروى)، ومواقف (تقتدى).. وكتابا مفتوحا نقرأه كلما اشتقنا إليهم.
العم الصالح (أبو فهد).. وأنت في قبرك أقول: «إنما مثل الدنيا كمثل ظل شجرة جلس تحتها رجل ثم قام وتركها».. لكن ظل سيرتك النيرة يبقى ممتداً في نفوس ووجدان أحبابك وأقاربك وأصحابك حتى بعد رحيلك عن هذه الحياة الفانية.
فاللهم اغفر لفقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جناتك، واجعله من أهل رحمتك ورضوانك.