د. رانيا القرعاوي
خلال «حرب الـ12 يوما»، كما اصطلح على تسميتها، انتشر مقطع مصور يظهر لحظة إسقاط طائرة F-35 خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وحقق أكثر من 21 مليون مشاهدة على «تيك توك» و»إكس» في أقل من 48 ساعة.
لكن المفاجأة كانت أن المقطع لم يكن حقيقيا؛ بل كان مشهدا من لعبة محاكاة طيران، تم التلاعب به ليبدو كأنه حدث مباشر. وعلى الرغم من التحقق من زيفه، فقد انتشر أكثر من كل مقاطع الحرب الحقيقية.
نشرت وكالة رويترز أخيرا تقريرها السنوي حول الإعلام الرقمي، الذي شمل أكثر من 100 ألف مشارك من 48 دولة. عبر أغلبهم عن قلقهم من أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستجعل الأخبار أقل شفافية، وأقل دقة، وأقل موثوقية، رغم أن استخدامها يتضاعف بين فئة الشباب تحت 25 عاما مقارنة بباقي الفئات.
وأشار التقرير أيضا إلى تضاعف عدد المستخدمين اليمينيين لمنصة «إكس» في بريطانيا بعد استحواذ إيلون ماسك عليها، وتزايد هذا الرقم بثلاثة أضعاف في الولايات المتحدة. في المقابل، انسحب عدد كبير من التقدميين. كما بين التقرير أن «تيك توك» يشهد صعودا سريعا، حيث يستخدمه اليوم 17% من الجمهور العالمي للحصول على الأخبار، بزيادة قدرها 4 % خلال عام واحد فقط.
هذه الإحصائيات لا يجب أن تمر مرور الكرام على مصممي الاستراتيجيات الإعلامية؛ بل ينبغي أن تستخدم كأساس في بناء الخطط الإعلامية، لضمان استهداف الوسائل والمنصات المناسبة لكل جمهور.
المتخصصون في الإعلام يدركون جيدا أنه لا خوف على أي وسيلة إعلامية من زوال أخرى. وكما قال مارشال ماكلوهان: «الوسائل الإعلامية لا تموت، لكنها تغير وظائفها».
فوسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الحديثة، لا تختفي، بل تتكيف وتتطور لتلبي احتياجات الجمهور المتغيرة وتواكب التكنولوجيا. تتغير وظائفها، لكن دورها في نقل المعلومات والتأثير في الرأي العام يبقى قائما.
المشكلة اليوم أن المنصات الرقمية تكتفي بنشر القصص دون تحقق، وأن الإثارة باتت تسبق المصداقية. ويتفاقم هذا التحدي حين نعلم - وفق دراسة سعودية حديثة - أن المواطن السعودي يقضي في المتوسط أكثر من سبع ساعات يوميا على هاتفه المحمول، مما يستدعي ضرورة توفير محتوى موثوق وذي مصداقية.
المطلوب ليس إلغاء استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأخبار، خاصة وأنه قادر على جذب الأجيال الجديدة، بل ضبطه داخل منظومة تحرير دقيقة.
على المؤسسات الإعلامية أن تضع بروتوكولات تحقق شاملة، توظف الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة للصحافي وليس بديلا عنه، إلى جانب الاستثمار في أدوات كشف التزييف، وتطوير آليات تصحيح شفافة وسريعة، وتوفير برامج تدريبية متواصلة للصحافيين.
ويظل السؤال الذي يقدر بمليون دولار كما يقال: من سيقود مرحلة التحقق في عصر الذكاء الاصطناعي؟ ومن سينتصر في معركة المصداقية؟
فليس المهم أن تكون أول من ينشر الخبر، بل إن تكون الأصدق والأوثق.