م. بدر بن ناصر الحمدان
المدن التي استطاعت أن تحافظ على عراقتها وهويتها هي التي قررت على إبقاء المعنى الخاص بها، سواء المعنى المبني أو الثقافي من خلال المحافظة على سمات تركيبتها العمرانية والوظيفية الأصلية التي مثّلت تاريخ نشأتها، وعرفت بها، وشكّلت صورتها الذهنية في ذاكرة الناس، والتي عادة ما تحددها المعالم المألوفة؛ مثل المباني والطرق والممرات والساحات والحدائق والأسواق والعلامات البارزة والنسيج التقليدي العام، إضافة إلى ثقافة المكان التي تُبنى من خلال أنظمة المدينة وعاداتها وتقاليدها وأشكال التعبير الإنساني ونمط العيش بها.
الاحتفاظ بالمعنى الحضري لأي مدينة يتطلب تشريعات وقوانين صارمة تتولى فرض القيود على أي تغيير محتمل على الأصل المبني أو حتى الثقافة المرتبطة به؛ كونها هي المعنى الذي يُمكّن من تجسيد تاريخها وإعادة إنتاجه وتقديمه للناس بشكل مستدام، إذ إن التدخل المباشر وغير المباشر على الأصل الثقافي يستوجب الالتزام بالمبادئ والإجراءات التي شرّعتها المواثيق الدولية لحماية التراث الثقافي لضمان إبقاء هذه المعالم مُمثلة عن عراقة المدن التي توجد بها، وهذا ما يظهر عادة على هيئة وثائق خطط الحفاظ والحماية.
الأمر الذي تُخفق فيه الكثير من المدن أنها تُركز بشكل رئيس على توجيه إبقاء المعنى للمعالم المبنية بأنواعها وتصنيفاتها المختلفة ككتل مستقلة وعناصر منفردة دون مراعاة للنسيج العمراني الذي يُشكل تموضع هذه المباني، والذي يمثل هوية تخطيط المكان وتوزيع استخدامات الأراضي وشبكة الطرق أو الممرات التي تربطها؛ كونه المقياس الإنساني الأكثر تعبيراً عن محيط حياة الناس وثقافتهم.