د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
قرار «أوبك بلس» الذي يضم كبار منتجي النفط العالميين بتسريع وتيرة زيادة إنتاج النفط مبرر وخطوة بعيدة النظر في ضوء الصراع بين إسرائيل وإيران، فقد قررت زيادة أكبر في الإنتاج في أبريل 2025، وزيادة أكبر لشهر مايو، بالطبع يتساءل المراقبون لماذا هذه الزيادات على الرغم من ضعف الأسعار، وتباطؤ الطلب مع تصاعد التوترات الجيوسياسية.
من وجهة نظر السوق الزيادة مبررة من أجل مراعاة مصالح المستهلكين في ضوء حالة عدم اليقين بشأن حجم الصراع الإيراني - الإسرائيلي، لأن الهدف الرئيسي للمجموعة في تنظيم إمدادات النفط في السوق العالمية، خصوصاً أن المجموعة تمثل 41 % من الإنتاج العالمي، ما يعني أن هناك 59 % من الإنتاج العالمي خارج أوبك+، وتود المجموعة أن تلتقي المصالح بينها وبين المنتجين خارجها، وكذلك مع المستهلكين، ويمكن استعادة حصة سوقية فقدتها أوبك+ أمام منتجي النفط الصخري، وفق أساسيات السوق، وبشكل خاص في السوق الأوروبية.
النهج الاستراتيجي للمجموعة الحفاظ على أسعار دون عتبة 60 دولاراً للبرميل، في وقت تراجعت فيه عائدات النفط الصخري، تتزامن مع استنفاد أفضل مناطق النفط الصخري في أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة وهو حوض بيرميان، مما اضطر المنتجين إلى التوجه نحو مناطق ثانوية، حيث ترتفع تكاليف الإنتاج، ووفق مسح أجراه الفيدرالي في دالاس خلال الربع الأول من 2025 شمل أكثر من 100 شركة نفط وغاز في ولايات تكساس ونيومكسيكو ولويزانا.. إن منتجي النفط الصخري في أميركا يحتاجون حالياً إلى سعر يبلغ في المتوسط 65 دولاراً للبرميل لتحقيق جدوى اقتصادية في عمليات الحفر.
المجموعة تجدد استراتيجياتها بعد سنوات من تخفيض الإنتاج بنحو 5.85 ملايين برميل يومياً، خلال السنوات الخمس الماضية لتحقيق التوازن في السوق وسط ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي، قررت ثماني دول من أوبك بلس زيادة متواضعة في الإنتاج في أبريل، قبل أن تضاعفه ثلاث مرات في مايو ويونيو إلى جانب خفض الإنتاج الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يومياً، الذي بدأ الأعضاء الثمانية في تخفيفه بداية من أبريل ومستويان آخران من التخفيضات يتوقع أن يظلا قائمين حتى نهاية 2026.
انخفضت الأسعار بعد زيادة أوبك بلس في أبريل، إلى أدنى مستوى له منذ أربع سنوات عند نحو 58 دولاراً للبرميل في أبريل، بعد أن ظل يتداول في 2024 ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، لكن ارتفعت الأسعار نتيجة الصراع الإيراني - الإسرائيلي إلى 75 دولاراً للبرميل، وفي منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي صرح رئيس شركة روسنفت إيغور سينتشين إنه لن يكون هناك فائض نفطي على المدى الطويل، على الرغم من ارتفاع الإنتاج بسبب انخفاض مستويات المخزون، وأعلن بوتين في 20 مايو أنه يشارك أوبك بلس تقييمها بأن الطلب على النفط سيظل مرتفعاً، وقال إن أسعار النفط لم ترتفع بشكل كبير بسبب الصراع بين إيران وإسرائيل، وإنه لا توجد حاجة لتدخل أوبك بلس في أسواق النفط حالياً، ووصف لينخوا غوان الرئيس التنفيذي لشركة سيرج إنيرجي أميركا وهي أكبر شركات إنتاج النفط الخاصة في الولايات المتحدة والعاملة في حوض برميان توقيت هذا الانخفاض في الأسعار بأنه الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للمنتجين الأميركيين.
وأوضح محللون في أكسفورد إيكونوميكس بالطبع قبل أن تشارك أمريكا في ضربات للمفاعلات النووية الثلاثة في 22/6/2025، وقبل إعلان وقف الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل ستقفز الأسعار إلى 130 دولاراً للبرميل لتدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 6 % بحلول نهاية العام، وستمثل صدمة الأسعار إلى إضعاف الإنفاق الاستهلاكي بسبب تضرر الدخل الحقيقي، وأي فرصة لخفض أسعار الفائدة الأميركية ستتدمر بسبب مدى زيادة التضخم والمخاوف من تداعيات لاحقة من التضخم.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 3 مصافي صينية مستقلة إلى تقليص عمليات شراء النفط الإيراني من جانب عدد من المصافي متوسطة الحجم، التي تخشى إدراجها على قائمة العقوبات، وكيانات أخرى، جرى استبدال نفط إيراني غير خاضع للعقوبات بـ 100 ألف برميل يومياً في النصف الأول من عام 2025، وهو قدر بسيط بالنظر إلى أن الإمدادات الإيرانية للصين تتراوح بين 1.4 و1.5 مليون برميل يومياً، لكن بعدما توقفت الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، أعلن ترامب عن وقف العقوبات على تصدير النفط الإيراني، بعدما كانت تقوم بخصم يتراوح بين 3.30 و3.5 دولار للبرميل عن سعر خام برنت في بورصة إنتركونتيننتال للشحن، ويتم شحنه من مخازن عائمة تقدر كل من كبلر وفورتيكسا إجمالي النفط الإيراني في المياه، بما في ذلك في وحدات التخزين العائمة بنحو 120 مليون برميل وهو أكبر كمية منذ 2023 على أقل تقدير.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً