أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الظواهر المجتمعية التي تتعزَّز وتكثر هذه الأيام خاصة في احتفالات الزواج، والاجتماعات العائلية، وكذا المناسبات الشخصية، وما شابه ذلك من سلوكيات تندرج جميعاً تحت مسمى (المهايط)، فهل هذه - التي يحق لنا أن ننعتها بالظاهرة- جديدة في شخصيتنا أم أنها متجذرة في تكويننا العربي؟
إن التتبع التاريخي لهذه الظاهرة (الإشكالية في المجتمع السعودي) تدل على أنها ليست جديدة في حياة العرب، بل هي ملازمة لهذا الجنس من البشر الذي كان وما زال يعشق المفاخرة، ويهوى حديث الآخر عنه، ويريد أن يركب كل غريب من أجل لفت الأنظار، ومن أراد أن يستزيد ويبرهن ويدلّل فعليه الرجوع إلى شعر الفخر العربي سواء ما كان منه فخراً بالذات أو بالقبيلة أو بالأرض والعشيقة، والذي يحكي جانباً عن «مهايطة» من سبق، ولكن لا بد هنا من القول بأن هذا السلوك يضعف ويتعزَّز حسب البيئة الحاضنة، وفي ظل ظرف الزمان والمكان والحال الذي يمر به الإنسان، والأمم كالأشخاص تماماً فكلما كانت الأمة إلى الحضارة أقرب فهي عن هذا السلوك أبعد، والعكس بالعكس.
لقد استشرى «الهياط» اليوم في أوساطنا المجتمعية «المتعلم منها والعامي، المدني والقروي والبدوي، الذكوري والأنثوي، الشباب والشيب. ويمكن إرجاع هذا النهج المجتمعي إلى كثرة ميادين المنافسة التي لا تنبني على القوة والعمق الحقيقي بقدر ما تقوم على الشكليات والظواهر. والأمثلة التي يستحضرها كل منا في هذا الباب كثيرة ومتعددة وذات ألوان وأطياف مختلفة سواء كانت تحت مسمى العلم أو الجاه أو المركب أو القبيلة أو الممتلكات أو المال أو القصيد أو الكثرة أو... وساعد على سريانها في المجتمع قنوات الإعلام الخاص ومواقع التواصل الاجتماعي والمنافسات والمسابقات التي لا تعتمد على أسس علمي، بل هي قائمة على مفاهيم ومرتكزات أخرى تحتاج من صنَّاع القرار والعقلاء والمخططين وأهل الحل والعقد إعادة نظرهم فيها من جديد! كما تعزَّزت فعاليتها في ظل عجز المتلقي عن التميز بين الصحيح والسقيم، واختلال موازين القياس في ظل غياب العدل القولي جراء جعل الأحكام الشخصية للعاطفة أقرب منها للعقل.
إن هذا اللون من الثقافة متى استشرى وكان هو الأساس في التقييم والتقويم فسيولد مجتمعاً فارغاً من المضامين الفاعلة والقوية، ويجعل الكل يبحث عن لفت الانتباه أياً كان الثمن، ويبرر للعاملين استعجال النتائج ومحاولة حرق المراحل من باب القياس على ما عند الغير المماثل والمعايش، والنتيجة الطبيعة «غياب الثقافة الحقيقية واحتلال أرضها لصالح «المهايطية»، وتواري المثقف الحقيقي عن ساحته المجتمعية لينبري ويأخذ الدور (مثقف شكلي) يجيد هذا الفن من القول أو حتى العمل، ولا يستطيع أن يعبر بنا البحر لشاطئ الأمان. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء، والسلام.