عبدالله صالح المحمود
في زمنٍ تتسارع فيه تحولات المعرفة والتقنية، تسجّل السعودية حضورًا عربيًا متفرّدًا في مجالات الابتكار والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي، مؤكدةً انتقالها من موقع المستهلك إلى موقع المنتج والمبتكر، في مشهد يُجسد طموحات رؤية 2030 وتحولاتها الكبرى.
فبحسب تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) لعام 2021، جاءت المملكة في المرتبة الأولى عربيًا والـ25 عالميًا في عدد براءات الاختراع، وهو مؤشر واضح على تنامي الإنتاج المعرفي المحلي، مدفوعًا بدعم استراتيجي من الدولة ومبادراتها النوعية.
وتأتي هذه الريادة انسجامًا مع رؤية المملكة في أن تكون قوة عربية فاعلة ومؤثرة في مجالات التقنية والابتكار.
وفي إنجازٍ جديد يعكس المكانة العالمية المتصاعدة للعقل السعودي، فازت المملكة بـالجائزة الكبرى في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2025، إضافة إلى 6 جوائز دولية و124 ميدالية عالمية، ما يعزز موقعها كأحد أهم حواضن الابتكار في العالم، وتُثبت جودة المخرجات البحثية والاختراعية للجامعات والمؤسسات الوطنية.
وفي سياق الريادة التقنية، شقّت المملكة طريقها نحو مستقبل الذكاء الاصطناعي عبر الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) ومركز الثورة الصناعية الرابعة (C4IR)، ومعامل التقنيات السيادية (DAIR)، إلى جانب شراكات دولية مثل التعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).
تلك المبادرات تعكس رؤية استراتيجية لاكتساب أدوات المستقبل السيادي، وتعزيز استقلال القرار التقني وبناء القدرات المحلية.
أما في ميدان البحث العلمي، فتؤكد قاعدة بيانات Scopus التابعة لـElsevier تصدّر المملكة للدول العربية في عدد الأبحاث العلمية المنشورة، مدعومة بسياسات وطنية تحفّز النشر الأكاديمي وتطوير مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية.
وتتوافق هذه المسيرة مع مؤشرات التعليم العالمية، حيث أشار مؤشر المعرفة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة واليونسكو لعام 2022 إلى أن السعودية تصدّرت الدول في نسبة الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي في البرامج التقنية والمهنية، مما يعكس نضج الرؤية السعودية في إعداد كوادر وطنية تتوافق مع متطلبات الاقتصاد الجديد.
لم يعد الابتكار في السعودية رفاهية مؤسسات، بل خيار وطني تتبناه الدولة في سياستها التنموية، وتُترجمه إلى مشاريع واقعية ومخرجات عالمية.
المملكة اليوم لا تسير خلف الركب، بل تصنع مسارها الخاص، بثقةٍ ومعرفةٍ وعقول وطنية، نحو مستقبل أكثر استقلالية وتقدمًا.
هذه المنجزات ليست أرقامًا تُسجّل، بل شواهد على تحوّل حضاري تقوده المملكة بعقول أبنائها، حيث أصبح الابتكار خيار دولة، والذكاء الاصطناعي سلاحًا تنمويًا، والبحث العلمي ركيزة استقلال وطني.
في السعودية الجديدة، لا تُنتظر الفرص بل تُصنع، ولا يُتبع الآخرون بل يُسبقون، لتُكتب قصة وطنٍ يقود المستقبل لا يلاحقه.