د. محمد بن أحمد غروي
صُنّفت سنغافورة أسعد مدينة آسيوية والثالثة عالميًا بعد كوبنهاغن وزيورخ. المدينة حققت فوزها بتصنيفات ست فئات شملت المواطن، والحوكمة، والبيئة، والاقتصاد، والصحة، والتنقل، فيما وصف التقرير الصادر عن معهد «جودة الحياة» سنغافورة «بالمنارة العالمية للازدهار الاقتصادي والحوكمة والابتكار الحضري»، وأشار التقرير إلى أن الدولة تُعزز التقدم التكنولوجي وتضمن استمرارية الابتكار.
سنغافورة الدولة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 750 كيلومترًا مربعًا ويصل عدد سكانها إلى 6.1 مليون شخص تعد نموذجًا للتطور الحضاري والرفاهية للمواطنين آسيويًا وعالميًا، وقد جاء تقدمها في تصنيف مؤشر المدن الأكثر سعادة عالميًا نتيجة لتطور سنغافورة على مستوى عدد من المجالات بدءًا من الصحة العامة وحتى فاعلية الحكومة والتحول الرقمي.
وحققت سنغافورة نتائج جيدة بشكل خاص في مجال الصحة، الذي يتتبع السلامة العامة ومبادرات الصحة العامة مثل التطعيمات والحماية المالية لنفقات الصحة، ويُعد نظام الرعاية الصحية في سنغافورة الأكثر كفاءةً في العالم، وفقًا لأحدث تصنيفات بلومبرغ لأنظمة الرعاية الصحية لعام 2023، إذ تتمتع سنغافورة بثاني أفضل أداء للرعاية الصحية عالميًا. كما تتمتع البلاد برابع أعلى متوسط عمر متوقع عند الولادة في العالم.
يختلف نظام الرعاية الصحية في سنغافورة اختلافًا كبيرًا عن الأنظمة الأوروبية والولايات المتحدة، ويعود الفضل في جودة واستدامة نظام الرعاية الصحية في سنغافورة بشكل كبير إلى هيكله التمويلي الفريد. فهو يرتكز على ثلاثة ركائز، تجمع بين المسؤولية الشخصية للفرد و»شبكة أمان» حكومية. ورغم أن معظم الخدمات الصحية في سنغافورة تعتمد على نظام الرسوم مقابل الخدمة.
وتتفاوت الأسعار بشكل كبير وتعتمد على مقدم الخدمة، تسعى حكومة سنغافورة إلى جعل الرعاية الصحية في المتناول، ليس فقط من خلال دعم أقساط التأمين، بل أيضًا من خلال عدد من السياسات الأخرى. فتقدم الحكومة دعمًا يصل إلى 80 % من تكلفة إقامة المرضى الذين يختارون الإقامة المشتركة، فيما تصل نسبة الأطباء إلى عدد السكان في سنغافورة إلى 2.8 لكل 1,000 نسمة، وهو عاملٌ حاسمٌ في إنتاجية القوى العاملة واستبقائها على المدى الطويل.
وفي السلامة والأمن سجلت سنغافورة 3.31 حالة عنف عام فقط لكل 1,000 نسمة، مما يجعلها واحدةً من أكثر مدن العالم أمانًا. كما أن وسائل النقل العام مُتاحة بنسبة 100 %، مما يدعم النمو الشامل والرضا عن التنقل اليومي.
كما يُصنّف مؤشر الابتكار العالمي 2024، لأداء الدول في مجال الابتكار، سنغافورة رابع أكثر الدول ابتكارًا في العالم. وتصدرت سنغافورة 14 مؤشرًا من أصل 78 مؤشرًا ، بما في ذلك فاعلية الحكومة، وإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقييمات الشركات الناشئة، ورأس المال الاستثماري. كما تمنح 7.37 براءة اختراع لكل 10,000 نسمة، بما يعكس ما توليه الحكومة السنغافورية وسياساتها بالإبداع والابتكارات لدعم البلاد وصناعاتها ورفاهيتها.
وبحسب مؤشر المدن السعيدة لهذا العام، تميزت سنغافورة بحوكمة رقمية مُدمجة بسلاسة في الحياة اليومية، بالإضافة إلى الخدمات الإلكترونية للإبلاغ عن الأعطال، والمدفوعات الإلكترونية، إلى جانب جدولة المواعيد، ويعكس هذا المقياسٌ أن السكان لاحظوا سياساتٍ تُخفف من عبء تكلفة المعيشة، كما يُقدّر السكان البنية التحتية للمدينة التي تُسهّل الاستمتاع بالحياة.
بدأت المدينة الحالمة مشروع نهضتها بالتعليم المتميز، والذي أرسته في ستينيات القرن الماضي. ولعب التعليم دورًا محوريًا في نهضة وتقدم البلاد، ومشروعها لبناء دولة متطورة وتحقيق معدلات نمو مرتفعة. كذلك جعلت سنغافورة التعليم والقوة البشرية رأس مالها الرئيسي منذ حصولها على الاستقلال عن الاحتلال البريطاني في 1965. وكونها بلدًا لا تملك أية مصادر طبيعية أو صناعات متطورة في هذا الوقت، أصبح التعليم مكونًا رئيسيًا لمشروع سنغافورة واستراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، وكانت الرؤية منذ تأسيس سنغافورة على يد رئيس وزرائها الأول، لي كوان يو، هي تطوير العنصر البشري وأن يصبح التعليم أولوية قصوى للبلاد حيث أعلن رئيس الوزراء الأول صراحة بأن المورد الطبيعي الوحيد المتاح لتطوير سنغافورة هو «شعبها».
وانعكس اهتمام سنغافورة بالتعليم على أداء طلابها الفريد خاصة في المجالات التقنية والعلوم، كما أسهم في تقديمهم ابتكارات مميزة ساعدت في جعل سنغافورة من أبرز البلدان على خريطة التكنولوجيا العالمية.
كما أن سياستها الحكومية الفعالة لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، أثمرت على عدد من المستويات ومنها تقدمها على مؤشرات التصنيف العالمي. وفي العام الماضي تصدرت سنغافورة تصنيف فاعلية الحكومات للعام الثاني على التوالي، حيث احتلت المركز الأول في ثلاثة ركائز للتصنيف، وهي القيادة والاستشراف، والتي تشمل قادة أخلاقيين وقابلين للتكيف مع رؤية طويلة المدى؛ والمؤسسات القوية، مثل الوزارات والدوائر العامة والهيئات القانونية؛ والسوق الجذابة، والتي تشمل خلق فرص العمل والابتكار والفرص.