منال الحصيني
بين «الهدف» و«الشغف»، يعيش الإنسان صراعه الداخلي الأصدق.
كأنك تمسك بوصلة في يد، وقلب نابض في اليد الأخرى.
البوصلة تخبرك: «هنا الطريق.»
أما القلب، فيهمس: «هنا الحياة».
الهدف هو ما نكتبه بعقلٍ واعٍ، بخطٍ واضح في دفاتر خططنا.
هو الوجهة التي نُنسّق حولها أيامنا، ونربط بها جداولنا، ونوقن أن خلف كل تعبٍ يكمُن إنجاز، وخلف كل سعيٍ ثمرة.
هو ما يجعل لصباحك معنى، ولخطواتك غاية.
أما الشغف، فهو شيء لا يُكتب، بل يُشعر.
لا يُخطط له، بل يُولد فجأة.
يبدأ كنار صغيرة في الصدر، ثم يكبر حتى يملأك.
قد لا تدري من أين جاء، أو لماذا استقر فيك، لكنه يُغيّرك.
يمنحك صوتًا مختلفًا، طاقة غير معتادة، ونظرة جديدة للحياة.
لكن ماذا لو سار الهدف في طريق، والشغف في آخر؟
هل نتبع العقل ونمضي حيث الخطة؟
أم ننجرف مع القلب، ولو كان المجهول آخر الطريق؟
لا جواب حاسم، لأن الإنسان ليس معادلة رياضية، بل مزيج من رغبة وإرادة، من حلم وواقعية.
الهدف يمنحك الثبات، بينما الشغف يمنحك الدافع.
الهدف يتطلب صبرًا ومثابرة، أما الشغف فيتطلب إيمانًا بما لا يُرى.
الهدف يُعطيك النهاية، والشغف يروي تفاصيل الرحلة.
لكن حين نعبد الشغف وحده، دون اتزان، قد نستيقظ على فراغ.
لأن الشغف وحده لا يُطعم، ولا يُنجز، ولا يصنع أثرًا دائمًا.
وحين نحصر أنفسنا في إطار الهدف فقط، قد نتحوّل إلى آلات، نصل.. لكن بلا شعور.
الحكمة ليست في أن تختار أحدهما، بل في أن توفّق بينهما.
أن تجعل من الشغف جذوة تُضيء الطريق، ومن الهدف مسارًا يُنظّم الحلم.
أن تعترف بأن ما بين «أحب» و»أريد أن أحقق» فجوة لا تمتلئ إلا بالصدق، والانضباط، والمرونة.
أولئك الذين جمعوا بين الاثنين، لم يكونوا مجرد محظوظين.
بل كانوا صادقين في قراءة ذواتهم، مرنين أمام التغيير، وصبورين حين طال الانتظار.
فهموا أن لا شيء أشد قسوة من عمرٍ يُقضى في الركض نحو شيء لا يشبهنا.
«لنتشه» مقولة تدفعنا لتحقيق ذلك بقوله:
«من يملك سببًا يعيش من أجله، يستطيع أن يتحمّل كل شيء تقريبًا».
لكن هذا «السبب» لا يُمنح لنا، بل نكتشفه في أعماقنا، وننحته من رغباتنا، ونصقله بأهداف واضحة.
حين يتقدّم الشغف، ويقود الهدف.. يصبح الطريق، بكل مافيه، أكثر إنسانية، وأكثر احتمالًا.