فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولله في ذلك حكمة.
ما نراه اليوم على الشاشات، وما تخفيه الحقائق خلف الأبواب المغلقة واستراتيجيات القوى العالمية المهيمنة.
يجعلنا نتساءل: كيف ؟ ولماذا؟ وماذا بعد؟
حرب الاثني عشر يوما كشفت لنا -نحن عامة الناس- جانيا من المشهد كما التقطته وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، رأينا الأدوات الحديثة في الحرب من طائرات ومسيرات وصواريخ موجهة ودور الدفاعات الجوية في اعتراض الهجمات.
لكن ما خفي كان أعظم!
الآن، وبعد الإعلان عن نهاية هذا الصراع، تتوقف لترصد ما يتداول من نتائج في وسائل الإعلام، سواء المؤيدة أو المناوئة لتلك الحرب التي استنزفت الطرفين. ورغم الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، إلا أن الواقع يقول: إن وقف الحرب كان في مصلحة الطرفين، بينما كان استمرارها خسارة مؤكدة لهما، وخاصة للطرف الثالث الذي يزعم أنه (رسول السلام) في هذا العالم
الحقيقة أن المصالح المتقاطعة هي التي حسمت قرار إنهاء الحرب، لا الاعتبارات الأخلاقية ولا الإنسانية، وهذا المشهد يتكرر في عالم اليوم، حيث تطفى المصالح على السياسات، وتتحكم في مسارات الحروب، وتوقيت نهاياتها.
لقد تدخل الطرف الثالث عسكريا، وهو يعلم تمامًا أنه سيلحق أضرارا جسيمة بإيران وبرنامجها النووي، كما سيتسبب في اضطرابات داخلية ستكون لها انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية في قادم الأيام، وفي الوقت ذاته، أنقذ إسرائيل. وغطى على غطرستها، وعزز استمرار ممارساتها اللاإنسانية بما ارتكبته من مجازر في الأراضي المحتلة، كما موه موقفها، لتبدو - مرة أخرى - في صورة المنتصر، رغم أن ما كشفته الأيام أثبت خلاف ذلك: فهي ليست تلك القوة التي لا يُرد لها بأس. كما تحاول أن تظهر أو كما صور لنا.
ما يدمي الضمير الإنساني اليوم هو العجز العالمي، المتسلح بسلاح واحد لا يتعدى بيانات الإدانة، في مواجهة النازية الصهيونية الحديثة. هذا العجز لا يقف عند حدود الصمت، بل يتعداه إلى التواطؤ الصارخ والنفاق الواضح في التعامل مع مسببات الصراعات، وأهمها الكيل بمكيالين فيما يخص امتلاك السلاح النووي.
ففي حين يُحرم على إيران مجرد الاقتراب من امتلاك قدرة نووية، بينما تعض الأبصار عن ترسانة الكيان الصهيوني التي تجعله فعليا في مصاف القوى النووية الكبرى ومع ذلك. لا يخضع الكيان لأي من المواثيق الدولية ذات الصلة، ولا يعترف بمنظمة الحماية الدولية للسلاح النووي، كما يرفض دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويتنصل من قرارات لجنة نزع السلاح في الأمم المتحدة. ورغم كل هذا. يقف العالم موقف المتفرج، بلا حول ولا قوة. في صدمة وذهول أمام أشبه بما يُعرف عسكريا بـ(الصدمة والترويع) (Shock and Awe).
وبعد أن يسكت دوي المدافع، وتخفت أصوات الطائرات تبدأ مرحلة أخرى من الحرب، تخاض بالكلمات لا بالسلاح في ساحات الإعلام والمؤتمرات والبيانات. في هذا المشهد يتسابق كل طرف إلى إعلان (نصره)، لا ليشرح ما حدث، بل ليفرض تأويله، ويحتكر الحقيقة.
وقد رأينا خطاب النصر يلقى من كلا الطرفين إيران التي كانت هدفًا لضربات قاسية لا يمكن إنكارها، تقول إن وقف إطلاق النار جاء بطلب من الطرف الآخر. بعد أن بلغ الإنهاك ذروته في معسكر الخصم. وتؤكد مرارًا أنها لم تهزم بل اختارت التوقيت المناسب للتوقف حين رأت أن رسالتها قد وصلت.
أما الكيان الصهيوني، الذي اختبر لأول مرة هشاشة جبهته الداخلية، وعمق الخوف في مجتمعه، فقد سعى إلى مخرج مشرف، فربما استعان بأطراف دولية لفرض وقف القتال، بما يحفظ شيئًا من صورته المهتزة. غير أن الحقيقة لا تقرأ فقط مما قيل، بل مما لم يقال. فبينما أعلنت إسرائيل انتصارها، مستندة إلى قدرات القبة الحديدية وفاعلية دفاعاتها، فإن الإنهاء السريع للحرب - بعد اثني عشر يوما فقط - حال دون انكشاف هشاشتها.
فالاستمرار لأسبوع آخر في نفس الوتيرة كان كفيلا بجرها إلى حالة إنهاك غير مسبوقة، داخلياً وخارجياً.
الصمت الرسمي، والتكتم على الخسائر، والإنكار العلني لأي ضعف لا يعني أنها ارتدعت، بل قد تغريها بتكرار العدوان، وهذا ما حدث فعلا، فلم تمر سوى أيام حتى عادت الآلة الحربية الصهيونية لتضرب قطاع غزة بوحشية أشد. وكأن شيئًا لم يكن.
لكن الله يمهل ولا يهمل. وموعد الظالم آت لا محالة، نسأل الله أن يحمي بلادنا، وأن يمكننا من نصرة الحق. والوقوف في وجه المعتدي الغاشم مناصرين للمظلوم، ومجاهدين لدحر الظالم، مستندين إلى إيماننا، ومتمسكين بتعاليم ديننا الحنيف ولله في أمره وتقديره حكمة.
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}.
امسح رمز الـQR لمزيد من المحتوى المرئي