د. فهد بن أحمد النغيمش
لو تأمل متأمل في أحوال الناس اليوم لوجدت مصطلح التوفيق سائغا على كل لسان وفي كل الأحوال، فهذا يشاهد رجلاً أعطاه الله مالاً وتجارة فبنى بها القصور والدور واكترى سيارة فارهة يقطع بها المسافات والطرقات فقال في نفسه التواقة {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (79) سورة القصص، هذا في نظر الناس هو الرجل الذي قد وفقه الله وأعطاه من الغنى والمال ما جعل الكثير يتمنى أن يكون هو مكانه، وقس على ذلك صاحب المنصب والجاه وصاحب العيال والشهرة!
والسؤال الذي يتبادر في أذهاننا: هل هؤلاء موفقون؟ أم أن التوفيق قد جانبهم وماذا نقصد بالتوفيق في حياتنا؟
كلنا يحب أن يكون موفقاً في حياته وسائر شؤونه، وكلنا يدعو دائماً بالتوفيق، وكثيراً ما ندعو لغيرنا فنقول: وفقك الله، وفي المقابل نسمع قول بعض من الناس: فلان محروم! محروم من التمتع بماله وعياله وأعماله! فلماذا أطلقنا عليه وعلى من هم على شاكلته محروما؟
ليس التوفيق كما يعتقد البعض انه مجرد أن تفتح الدنيا على أحدنا فيكون ذا مال أو عيال، أو صحيحاً سالماً من المرض، فهذه صفات يشترك فيها المسلم والكافر والبر والفاجر، والله سبحانه قد قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق، ويعطي سبحانه الدنيا من يحب ومن لا يحب، وأنه لا يعطي الإيمان إلا من يحب.
التوفيق في حقيقته من وفقه الله لعمل صالح يعمله قبل موته فتكون خاتمته خاتمة حسنة الكل يتمناها ويرجوها بخير.
جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرا استعمله» قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: «يوفقه لعملٍ صالح قبل موته».
الموفق الحق من أعطاه الله مالا فأنفقه في طاعة الله ومرضاته (تصدق على هذا وذاك، بنى مسجداً أو حفر بئراً، أوقف عملاً صالحاً له بعد مماته..)
الموفق من اعطاه الله صحة في بدنه فاستعملها في طاعة الله، سواء كانت رجلا تمشي إلى مريض تعوده أو قريب تصله أو صديق تزوره وإنك لتعجب من رجل ليس بينه وبين قريبه سواء والداه أو أخته أو اخيه أو قريبه الا مسافات قريبة بل قد يكونا متجاورين ولا يصل رحمه أو يتفقدهم بين الفينة والأخرى!
الموفق من أعطاه الله قلبا ذاكرا في كل وقت ولسانا شاكرا على كل حال قد تطهر من اللغو الآثام والغيبة والنميمة ولم يتتبع عورات المسلمين، الموفق هو ذاك الذي منحه الله تواصلاً مع الناس بالخلق الحسن واللين والبشاشة، والإحسان وكف الأذى، فإن وصل إلى مرتبة بذل الخير والنفع للناس وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم، والسعي في أمور الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين فان الله يعينه ويوفقه بقدر ما يعين الناس جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، رواه الطبراني.
التوفيق في الدنيا ليس أمراً مذموماً أو مكروها، فمن أعطي مالاً فليس معناه أنه لم يوفق وإنما القصد أن تستغل مثل هذه النعم من صحة ومال وولد في طاعة الله عز وجل سبحانه، وانك لتعجب من أناس جمعوا من المال ما لا يعد ولا يحصى ثم تراه لم يقدم لنفسه أي عمل صالح يكون ذخراً له بعد مماته يؤنس وحشته في قبره ويزيد له من حسناته إنما يورثه لورثة يتنازعونه بعد وفاته، وقد لا يدعى له فهل هذا قد وفق للعمل الصالح بعد مماته أم لم يوفق!
هناك من يغفل عن أمر مهم لا أكون مبالغا إذا قلت إنه سر التوفيق في هذه الدنيا وكذلكم في الآخرة ألا وهو بر الوالدين هو من أعظم أبواب التوفيق ونَيْل السعادة في الدارين، وكم سمعنا من قصص الناجحين والموفقين في حياتهم ممن كان سر نجاحهم هو البر بوالديهم ولقد حدثني صاحب تجارة بنفسه قائلاً والله إن أمي لما كانت حية ترزق وكنت بجوارها أُشنف آذاني بدعائها وأحرص على برها فوالله إن أبواب التجارة تتفتح معي من حيث لا أشعر، وأقسم بالذي رفع السماء أنه بمجرد وفاتها خسرت أكثر من منافسة دخلت فيها بالرغم ان الدراسات الأولية للمشروع تشير إلى أن ارباحي ستتجاوز 80 في المائة .
إنه التوفيق الذي لازمه بدعاء والدته وبره بها، فلنحرص على الأسباب الجالبة لتوفيق الله سبحانه، وليكن لها في حياتنا نصيب ومساحة.