مشعل الحارثي
تحل علينا هذه الأيام الذكرى الرابعة عشرة لرحيل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران الذي رحل عنا بتاريخ 24 ذي القعدة 1432هـ - 22 أكتوبر 2011م لتنثر علينا عطرها الفواح وتبقى على الدوام حيّة تستذكرها الأجيال ويرويها التاريخ في صفحاته الخالدة.
وكيف ننساه ويغيب عنا (سلطان بن عبد العزيز) وقد سكن المهج والوجدان، وعزف على أوتار المحبة والوحدة والتالف والوئام، وجزيل البذل والعطاء، وعلمنا من خلال مسيرته الخالدة الثبات على المبدأ، ومناصرة الحق والفضيلة.
وكيف ننسى سلطان بن عبد العزيز ويغادر قلوبنا وصورته ماثلة أمامنا وتتجسد في اذهاننا وفي كل خطواتنا، وصوته لايزال يرن في مسامعنا في خطاباته وأحاديثه وتصريحاته الصحفية سواء في جولاته التفقدية لقطاعات وزارة الدفاع، او في معايدة أبنائه من رجال القوات المسلحة، او في محافلنا المحلية ومؤسساتنا الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية او في الزيارات الخارجية والمحافل الدولية والإقليمية.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو رجل البناء والتنمية والتطوير وأحد فرسانها الأفذاذ في عقد مسيرة المملكة العربية السعودية التنموية وممن شاركوا في صياغتها وبنائها قولاً وعملاً وتخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً ومتابعةً وتوجيهاً على مدى أكثر من (60) عاماً وبلغت إنجازاته الأفاق محلياً وعربياً وعالمياً ومن خلال محطات عمله المتعددة والمهام التي تولاها واضطلع بمسؤولياتها من خلال الحقائب الوزارية التي تقلدها سموه منذ سن مبكرة حيث يعد سموه المسؤول السعودي الوحيد الذي حمل ثلاثة حقائب وزارية بشكل متتال، فقد تولى سموه إمارة الرياض عام 1366هـ، ثم وزارة الزراعة عام 1373هـ، فوزيراً للمواصلات عام 1375هـ، فوزيراً للدفاع عام 1382هـ، فالنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء عام 1402هـ، حتى اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله له ولياً للعهد عام 1426هـ.
أو من خلال اضطلاع سموه وإشرافه ومتابعته للعديد من المهام واللجان والمجالس والمؤسسات والجمعيات العلمية وحضور اجتماعاتها وفعالياتها المتعددة ومنها: رئيس اللجنة الخاصة في مجلس الوزراء، نائب رئيس اللجنة العليا لسياسة التعليم، نائب وزير الداخلية، وزير الإعلام بالنيابة، نائب رئيس اللجنة العليا للإصلاح الإداري، رئيس مجلس القوى العاملة، نائب رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط العربية السعودية، رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، رئيس اللجنة المركزية للدراسات الخاصة، رئيس اللجنة الوزارية للبيئة. رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية، رئيس اللجنة العليا للتوازن الاقتصادي، رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، رئيس الهيئة العليا للدعوة الاسلامية، رئيس البرنامج السعودي للخزن الاستراتيجي، رئيس لجنة التنسيق السعودية اليمنية المشتركة، رئيس اللجنة العليا للتنظيم الإداري، رئيس لجنة تطوير ومراجعة المناهج، رئيس لجنة توظيف الشباب، رئيس لجنة الغذاء والدواء، رئيس أمناء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، نائب رئيس الهيئة العليا للاستثمار، نائب رئيس مجلس العائلة لآل سعود، نائب رئيس مجلس الخدمة العسكرية، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة، رئيس المجلس الاعلى للأسرة، الرئيس الشرفي لجائزة الملك فيصل العالمية،الرئيس الفخري للجمعية السعودية للهندسة المدنية، الرئيس الفخري للجمعية السعودية لعلوم الحياة، الرئيس الفخري للجمعية العلمية السعودية للتعليم عن بعد بجدة، رئيس لجنة مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، رئيس اللجنة الوزارية المشكلة لدراسة موضوع تسجيل عدد من المواقع السعودية في قائمة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونسكو، رئيس لجنة التنسيق السعودي القطري.
كيف يغادر سلطان بن عبدالعزيز قلوبنا وقد عرفناه رجل القوة والدفاع والطيران والإدارة العسكرية المميزة طيلة أكثر من (45) عاماً من عمر بلادنا المملكة العربية السعودية وليكون وبكل كفاءة وجدارة عميد وزراء الدفاع بالعالم، والذي بعد تعيينه في عام 1962م وزيرا للدفاع والطيران ومفتشا عاما عاشت القوات المسلحة السعودية بفروعها الأربعة، في عهده أفضل عصورها ومراحلها ووصلت إلى أرقى مستوياتها ونافست مصاف الدول الحديثة، ولعل من صور الإنجاز والعطاء الضخم في هذا الجانب التي يجب ان تذكر، إعادة بناء القوات البشرية للقوات المسلحة بتوسيع الكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التدريب العسكرية الجديدة لاستيعاب أكبر عدد من المجندين،وإرسال البعثات العسكرية إلى الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية المتقدمة في كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وإنشاء المدن العسكرية، والقواعد الجوية، والبحرية، ومراكز الدفاع الجوي، ومباني مشروعات الكليات، والمجمعات الطبية التي تضم القيادات والإسكان والمرافق العامة والخدمات كالمدارس والمعاهد والمراكز الصحية المتقدمة، ومراكز التدريب العسكري والمهني، وبناء مقر وزارة الدفاع والطيران ومركز عمليات الدفاع الوطني،وبناء المستشفيات العسكرية الكبيرة في المدن الرئيسية وتجهيزها بالمعدات الطبية المتقدمة وتشغيلها وصيانتها والتدريب الطبي والفني للسعوديين عليها لتقديم أرقى الخدمات الطبية لأفراد القوات المسلحة وعوائلهم، وإنشاء أسطول جوى للإخلاء الطبي تعمل عليه كفاءات سعودية، كما أنشئت أكاديمية طبية في المجمع الطبي في مدينة الملك فهد العسكرية وفتحت المراكز الصحية في المعسكرات والمجمعات السكنية ومستشفيات الميدان المتقدمة، وتوسيع القاعدة الصناعية للمصانع الحربية وتحويلها إلى مؤسسة عامة للصناعات الحربية لتمكينها من المشاركة مع القطاع الخاص في التصنيع المشترك، واعتماده لبرنامج التوازن الاقتصادي مع الدول المصدرة للسلاح وأنظمة الدفاع، وتوسيع القاعدة الصناعية للمصانع الحربية وتحويلها إلى مؤسسة عامة للصناعات الحربية لتمكينها من المشاركة مع القطاع الخاص في التصنيع المشترك، وإنشاء إدارة عامة للمساحة العسكرية، وإدارة أخرى لشؤون المتقاعدين، وتطوير الطيران المدني وبناء المطارات المحلية والإقليمية والدولية، وتوسيع الأسطول الجوي للخطوط السعودية، وتطوير مصلحة الأرصاد الجوية، وغيرها من النجزات العديدة التي لا يمكن حصرها ورصدها في هذه العجالة.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو نصير الفقراء والمساكين والمضطهدين والمعوزين، يلملم جراحاتهم ويواسي أحزانهم، ويقيل عثراتهم ويلبي مطالبهم واحتياجاتهم، وبإحسانه لكل هؤلاء تعالت منزلته عندهم وتربع على قلوبهم.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو الإنسان بكل ما تحمله وتعنيه هذه الكلمة وقبل أن يكون سلطان الرجل المسؤول في الدولة واحد افراد الأسرة المالكة وما اغدقه في هذا الجانب من مشروعات خيرية كبيرة ساهمت في خدمة ودعم برامج المجتمع ومنها : مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية والتي تعتبر أكبر مدينة إنسانية متكاملة في العالم ويتبع لها أكبر مركز تأهيلي طبي في الشرق الأوسط، مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، برنامج سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الطبية والتعليمية، برنامج مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز للتربية الخاصة، مركز سلطان النموذجي لتنمية الطفل، برنامج الأمير سلطان لدعم المعوقين والموهوبين، وبرنامج دور العجزة والمسنين، ودعم العديد من برامج البحوث والدراسات والمنح العلمية بالجامعات والمراكز البحثية وغيرها.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وننسى ما قدمه من جهود جليلة لخدمة الإسلام والمسلمين ونشر قيمه وتعاليمه السمحة، والاهتمام بكتاب الله الكريم وافتتاح مدارس تحفيظ القران في الداخل والخارج، وإقامة مسابقات حفظ القران، وبناء المساجد من خلال برنامج الأمير سلطان لعمارة المساجد والذي حرص فيه على الالتزام بنمط العمارة الإسلامية الأصيلة، ونشر وطباعة كتب السنة النبوية الشريفة ورعاية الجاليات الإسلامية ومساعدتها ومد يد العون لها ويحقق أهدافها .
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو أحد رجال المراحل التاريخية الصعبة.. ورجل المهمات الجسيمة.. والمساعي الحميدة.. ورجل العمل والمثابرة والفعل والثبات، كيف يغادر قلوبنا وهو سلطان المجد والتقدم.. والإخلاص والأمل.. وشعلة من الحكمة والحصافة والحلم والاناة، ونهر من الدبلوماسية والذكاء والتفاني في سبيل الوطن وخدمة المواطن.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو فيض مغدق من الشهامة والجود والكرم التي عم خيرها القاصي والداني. وشلال من العطاء والبذل والسخاء الذي لم يكن يعرف له حدود أو نهاية.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو سلطان النبل والشجاعة والإباء.. ورجل المروءة والخلق والتواضع الجم.. صاحب النفس الزكية والقلب النابض بالحب والعاطفة الجياشة.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو سلطان المأثر والمفاخر.. وصاحب الصفات الحميدة، والمناقب الكثيرة، والمكارم العديدة، ورجل القيم والأصالة والثقافة والتراث.. وعاشق البيئة والطبيعة وراعيها وحاميها.
كيف يغادر قلوبنا وقد عرفناه بهي الطلعة وصاحب الوجه الذي يتهلل بالبشر والضياء والابتسامة المشرقة على الدوام التي تمنح النفس الأمل والسعادة والراحة والطمأنينة.
كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو سليل الأكارم والأماجد. رمز السيادة وعنوان الريادة ومن معدن الأب والقائد والمؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود جامع الشتات وباني الأركان وموحد الكيان.. وخريج مدرسته العظيمة في الحنكة والقيادة والريادة والعطاء الخصب، كيف يغادر سلطان بن عبد العزيز قلوبنا وهو باختصار ممـلكة فـي إنسـان.