عبدالعزيز صالح الصالح
سؤال يطرح نفسه أمام القارئ الكريم: ما هي أسباب تغيرات أمزجة البشر في هذا العصر؟ فإن الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة تلعب دوراً مهماً وبارزاً في تغير هذا العصر بالذَّات حيث يلمس كل منَّا هذه التّغيرات عند فئة من النَّاس بطريقة متفاوتة تتمثَّل في القلق والتوتر والاكتئاب والغضب والانزعاج وعدم الرّاحة، والطمأنينة، والسَّعادة، والسّرور، فهذه الأمور سالفة الذكر مرتبطة ارتباطاً كلياً بمبدأ ما يسمَّى «بالبطالة» وكذلك التغيرات الاقتصاديَّة الَّتي تحدث بين الفينة تلو الفينة، وكذلك سوء الأحوال المعيشيَّة والأسريَّة والكوارث الطبيعيَّة والحروب والمنازعات والتناقضات الاجتماعيَّة، وعدم الراحة والاستقرار وغير ذلك حيث إن هذه التغيرات تختلف درجات قوتها وحدتها ومدى استمرارها.
فهناك تغيرات لا يمكن أن تلبث سوى ثوان أو دقائق من الوقت وتختفي، هناك تغيرات تمكث ساعات محدودة ثم تختفي. وهناك تغيرات تمكث أيَّاما وأسابيع وشهورا في حدودها الطبيعيَّة المقبولة ثم تختفي، وهكذا.
أما التغيرات التي تصاحبها حالات مرضية فإنها تمتد الى سنوات طويلة - حيث يكون المزاج في أغلب الأوقات هو المسيطر إذا جاز القول عليها وتتمثَّل بحالات عدَّة من الاكتئاب والخوف والقلق والرعب، وفي حالات أخرى مشابهة تجد الغضب والفرح غير الاعتيادي، وهذا الأمر ما يعرف بحالة الاضطراب المزاجي الاكتئابي، فهناك حالات أقلَّ شدة وخطورة ترتبط بالحالة الشَّخصيَّة عند المرء وتسمَّى بالدورية المتقلبة الأمزجة التي لا تصل شدتها وآثارها إلى حالات الاضطرابات السابقة، فإذا تحدَّث المرء عن حالة من حالات الأمزجة المتقلبة فإنه يلاحظ بكل دقَّة متناهية أعراض تلك الحالة التي تسهم في تقلب تلك الحالة المزاجية وتنوعها ومن مؤثراتها الجانبية من داخليَّة وخارجيَّة فإن التركيبية الوراثية للمرء - تلعب دوراً بارزاً ومهماً في تكوين صفات مزاجية مختلفة في قوتها وشدتها وتنوعها وتغيرها وتقلبها وآثارها، فبعض النَّاس يتحلى بالهدوء والسكينة والطمأنينة وضبط النَّفس وبعض النَّاس يمتاز بالحيوية والنشاط والاستثارة وردوده الانفعالية أكثر حدة وشدة فإن حالات - الوظائف الغذائيَّة - لها دور ملموس في تقلب أمزجة بعض البشر خلال فترات الصبح والمساء وخاصة في حالة الجوع عند المرء فإن الإحباط عند بعض النَّاس يلعب دورا رئيسياً في التأثير على أمزجة البشر فان - المزاج والإحباط - يلعب دور مهما في حالة الفشل وعدم تحقيق الرغبات والآمال والتوقعات البسيطة منها أو الكبيرة في حياة المرء اليوميَّة التي لا تسير على وتيرة واحدة وبعض الناس لا يستطيع أن يتحمل - الإحباط البسيط، لأنَّه يمثل له حالة من الضعف والهوان وقلة الخبرة ونضج على حالة الانفعال الفكري، فهناك بشر يتصفون بحالة ما يسمَّى بالعناد والسيطرة والطموح والتنافس فإنها تتعرض لحالات مزاجية متعدِّدة تؤدِّي إلى اضطرابات جسميَّة ونفسيَّة إذا أصبحت تلك الأمور تسير في غير ما يناسبها فإن الَّذين لا ينظرون لأنفسهم وللآخرين وللمستقبل فإنهم يحتاجون إلى التعديل والمرونة والتكيف لأنها تتميز بالجمود والطموح الذي لا يفرح ولا يرضي، أما الأشخاص الَّذين يتصفون (بالسلبية العدوانية) فهم الَّذين يمتنعون عن أداء أعمالهم الخاصَّة والعامة في أوقاتها المحدَّدة حيث إنهم يؤجلون تنفيذ الأعمال والطلبات حسب الأمزجة التي يرونها - التي تتميز به من الناحية المزاجية والسلوكية).
أما الَّذين يتصفون بشخصيَّة - عدوانية - لا يستقر لها بال إلا أن (تلحق الضرر بغيرها) فهذه تمتاز بحالات عدَّة من الغضب وانفلات المشاعر - مما يجعل التعامل معها صعبا في غاية الأهمِّيَّة، فهناك مواد شائعة الاستعمال مثل (القهوة والشاي والمشروبات الغازية) لها دور في تقلبات أمزجة بعض البشر لكنَّها ليست خطيرة بشكل عام وتلعب الحضارة الحديثة دورا بارزا في ازدياد الحاجات والمتطلبات مما تنعكس سلباً على الحالة المزاجية عند المرء حيث إن الحالات المزاجية السلبية تعبير أقوى تأثيراً من الحالات المزاجية الإيجابية.