أ.د.عثمان بن صالح العامر
باسم العلم ومن خلال أفكار ومخترعات وابتكارات العلماء يتصارع العالم، ويأكل القوي الضعيف، بالعلم تصنع الصواريخ والقنابل النووية ليقتل الأبرياء وتباد البشرية، بالعلم تنشر الفوضى العالمية التي تسبب الأمراض النفسية، بالعلم تحارب القيم الإنسانية التي هي الباب الوحيد لتحقق السلام العالمي، والتسامح العقدي، والتعايش الدولي، بالعلم تنتحل الشخصيات، وتزور الوثائق، وتبدل الوجوه، وينتصر الشر، ويسود الكذب، وتغيب الحقيقة، بالعلم يشاع المرض ليباع الدواء وتكسب الشركات، بالعلم يتلاعب بالنسل، وتتدخل الهندسة الوراثية بالهيئة والشكل، بالعلم يُسوَّق للمذاهب الفكرية الضالة المضلة وعلى رأسها وأولها الإلحاد، بالعلم تشرعن الرذيلة في المجتمعات، بالعلم يدلّل للعنف المنظم، والتطرف الممنهج، بالعلم يبرر لإرهاب الدولة المحتلة، وانحراف الجماعات السياسية المؤدلجة، بالعلم يحارب الإسلام الوسطي الصحيح الذي هو بنص كتاب الله السبيل الوحيد لإسعاد البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور. وغير ذلك كثير.
ليس فيما ورد أعلاه قدح بذات العلم، ولكن فيه تحذير مبني على تخوف شخصي من أن يصبح العلم في عصر الثورة الصناعية الرابعة، عصر التقنية المتطورة، والتكنولوجيا المتقدمة، عدواً حقيقياً للإنسان أكثر مما هو عليه الحال اليوم، ينزع منه أخص خصائصه، وأكثر مميزاته في هذه الحياة، فلا عقل لنا، ولا روح بنا، فضلاً عن أن تكون لنا قلوب نفقه بها وندرك حقيقة هذه الحياة، وكيف نعيشها نحن البشر، نصير مجرد أرقام في مسلسل الوجود، وأتراس في آلات الإنتاج، حينها سيكون الضنك الذي أخبر عنه الرب سبحانه وتعالى، وسيبحث الإنسان عن ذاته فلا يجدها إلا بعودته إلى نقطة الصفر، سيذهب للطبيعة، للبرية، مع غنمه ليعيش خارج سياق العصر الذي صار فيه، يصبح على هامش الفعل الحضاري، والبناء الثقافي، والوجود الاجتماعي.
أتمنى ألا نصل إلى هذا المنعطف البشري الخطير، ولكن النظام الرأسمالي العالمي بأساليبه ووسائله ومقتنياته وسلطاته المطلقة في عصر العولمة الصعب، يقود العالم أجمع إلى هذا المستنقع الآسن، وإذا لم يتنبه عقلاء البشرية لما يسير عليه العلم بوتيرته المتسارعة، ويدركوا الخطر القادم فستكون الكارثة عامة وشاملة، والسبب الانحراف بالعلم من كونه يسوقنا لباب الخير والفلاح إلى جعله معول هدم وباب شر. وبيان الخير والشر، الفلاح والطلاح، السعادة والشقاء في هذه الحياة الدنيا فضلاً عن الدار الآخرة ليس لأحد من البشر، وإنما هذه الثنائيات محددة بضوابطها ومعالمها وسياقاتها المختلفة من قبل رب البشر سبحانه وتعالى، فهل نكون نحن في هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) من يعيد العلم إلى مساره الصحيح، وينقذ البشرية من حالة الاحتقان، وينتشلها من قلق الموت، والتخوّف والهلع من قادم الأيام، أتمنى ذلك، خاصة أن مرجعيتنا الدستورية تحث على العلم، وترفع من شأن العلماء، وتجل قدرهم، وتهيب بنا أن نسلك طريق التعلّم، كيف لا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهما، إنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه أبو داود (3641) والترمذي (2682)، وابن ماجه، (223)، وأحمد، (21715) باختلاف يسير. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء، والسلام.