نجلاء العتيبي
في عمق الجراح التي خلفتها الحروب حين تفقد الأرض طمأنينتها، والناس إحساسهم بالأمان، ينبثق مشروع «مسام» التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية كأحد أسْمى تعابير الرحمة في زمنٍ أنهكته المآسي، هذا المشروع لم يكن مجرد عملٍ ميدانيٍ لنزع الألغام فحسب، بل مبادرة إنسانية نبيلة أعادت تعريف العلاقة بين الإنسان وأرضه، وبين الحياة والموت، وبين الحاضر المقيد والمستقبل المحرر.
مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام ليس جهدًا تقنيًا يحسب بالكيلومترات أو بعدد الأجهزة والمعدات؛ ولكنه نبض حي للضمير الإنساني يتجسد في كل خطوة آمنة، وفي كل طفل يعبر دربًا بلا خوفٍ، وفي كل أمٍ تنام دون أن ينهش قلبها قلق الطريق.
فالبعد الإنساني في هذا المشروع يتجاوز الظاهر ليصل إلى وجدان الناس الذين عاشوا طويلًا تحت سطوة الخوف من لغمٍ كامنٍ في ركنٍ منسيٍ، من خلال مشروع «مسام»، سعى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى أن يكون نزع الألغام خطوةً محوريةً نحو ضمان الأمان والسكينة للشعب اليمني، ولإعادة الحياة إلى الأراضي التي عانت من آثار هذه المخاطر المدمرة.
إن نزع الألغام هو في الحقيقة نزع للرعب المزروع في قلوب الأبرياء، واستعادة لكرامة الإنسان الذي حرم من حقه في التنقل والزراعة والتعليم والطمأنينة، فكل لغم ينزع هو وعد حياةٍ يمنح، وفرصة جديدة لقلبٍ يود أن ينبض دون تهديدٍ، ولمكانٍ يود أن يكون ملاذًا لا مصيدةً.
والذين يعملون في هذا المشروع لا يقتلعون المعادن من الأرض فقط؛ ولكنهم يقتلعون معها احتمالات الفقد، ومخاوف الأمهات، وقلق المارة، وهاجس الفلاح الذي يتردد ألف مرةٍ قبل أن يحرث أرضه، هؤلاء الجنود المجهولون يقدمون حياتهم كل يومٍ، ويخوضون معاركهم ضد شرٍ مدفونٍ لا يرى لكن آثاره مدمرة.
وما يجعل هذا المشروع متفردًا في إنسانيته هو أنه لم يكتف بجهدٍ آنيٍ مؤقتٍ، بل عمل على بناء القدرات المحلية، وتدريب فرق يمنية على التعامل مع الألغام، ونشر التوعية بمخاطرها وطرق تفاديها.
فكان «مسام» مشروعًا يزرع الأمان بتطهير الأرض، وببناء العقول، وتثقيف المجتمعات وتمكينها من أن تحمي نفسها بنفسها، وهو ما يكرس البعد الإنساني في أبعاده الأعمق والأكثر ديمومةً؛ أن تعود الأرض آمنةً بفضل الله أولًا يعني أن تعود الحياة ممكنة، وأن يُمحى شبح الموت من الطرقات، ويعود التلاميذ إلى مدارسهم، والمزارعون إلى حقولهم، والعابرون إلى مساراتهم. هذا هو الإنجاز الذي لا تقيسه الأرقام، بل تقاس به القيمة الإنسانية الحقيقية.
مشروع «مسام» نداء إنساني عالمي بأن الكرامة لا تكتمل إلا حين يأمن الإنسان على خطاه، وحين يزول الخطر عن منزله ومحيطه وأرضه.
وما كان لهذا الأثر أن يتحقق لولا الرؤية النبيلة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي اختار أن يقدم جهوده للإنسان أينما وجد، وأن يسخر إمكاناته لتكون الحياة أكثر أمانًا، والواقع أقل قسوة في امتدادٍ صادقٍ لرسالة إنسانية تنطلق من قيم العطاء والمسؤولية.
نعم. يا وطني العزيز، بعض الأعمال لا تنسى حتى وإن غابت عن العناوين؛ لأن أثرها أعمق من الزمن، ويتجدد الحديث عنها كلما لامس الأمان قلبًا، أو أعادت الحياة خطواتها، تمامًا كما هو مشروع «مسام» بكل تفاصيله، ففي كل منطقة يطالها الأمان بعد أن كانت مرتعًا للموت، يكون الامتنان خصوصًا من أبناء اليمن الذين عاشوا سنين الخوف والمعاناة.
وهذا الشاب اليمني الأصيل الذي رأى قريته تطهر من لعنة الألغام لم يملك سوى أن يطيل الشكر، ويرفع كفيه بالدعاء لجهود المملكة؛ مقدرًا هذا العطاء النبيل الذي تجاوز حدود السياسة إلى عمق الإنسانية، فكانت دموعه تتكلم عن وطنٍ غالٍ، وعن شعبٍ ما زال يعرف معنى الوفاء.
في هذا الزمن الذي تتداخل فيه الأجندات، وتعصف فيه المصالح، يبرز «مسام» كمشروع استثنائي من مركز الملك سلمان للإغاثة، يحمل في طياته روح السلام، ويترجم الرحمة إلى عمل حقيقي لا يعرف التراجع.
إن البعد الإنساني لهذا العمل المشرف يثبت أن الإنسان لا يحرم مما يستحق، ويعطى ما يليق به، وواجبنا تجاهه ألا ينتهي عند الحد الأدنى من المساعدة، بل يبدأ من جذور الأمان بأن يعيش في أرضه دون خوفٍ ويحيا مستقبلًا خاليًا من فخاخ الماضي.
فهكذا تكتب صفحات المجد الإنساني: بأيدٍ تنزع الموت وتزرع الحياة.
ضوء
«تعد المملكة العربية السعودية رمزًا للفخر في مجال الأعمال الإنسانية، حيث يجسد نهجها روح التضامن والمساعدة.
عبر المبادرات المستمرة تثبت المملكة أن الإنسانية لا تقاس بالكلمات، وإنما بالأفعال التي تزرع الأمل، وتنقذ الأرواح».