سلمان بن محمد العُمري
مع توغل الفكر المادي السلبي، الذي يغلب على عقول الناس، وانتشار لوثة التفاخر والتباهي والمظاهر والتنافس بالإنفاق، والسرف في كل شيء، وسيطرته على أفكار الناس وسلوكياتهم، لا نرى مع هذا الإنفاق زيادة في نثر البهجة والسرور والسعادة، بل ينتشر الخوف والقلق والاكتئاب في أوساط الناس، وتبقى اللذات لحظية ومؤقته، ومشاعر مزيفة حبيسة للمقاطع المصورة في وسائط التواصل، ويقابل هذا هوس من الجميع في كسب المال وتنميته؛ فالغني يخشى على ماله وتجارته، ومتوسط الدخل وقليله ينظران إلى من فوقهما، ويزداد اللهاث على الدنيا يوماً بعد يوم، ويتولد عن ذلك خوف شديد من المستقبل المجهول، ولا سيما مع اتساع ما يحدث في العالم من الكوارث والحروب، واضطراب الاقتصاد.
ولو أمعنا النظر في أحوالنا الاجتماعية قبل الاقتصادية لرأينا تقصيرنا في حق الله عز وجل وفي حق أنفسنا، وربما في حق غيرنا إذا كنا لا نؤدي حق المال الذي في أيدينا.
التقصير الأول هو في شكر النعم فنحن ولله الحمد في غالب الأمر والعموم في مستوى معيشي طيب وننعم بالأمن والأمان والرخاء والاستقرار والاطمئنان في حين نرى دولاً عديدة تشكو من ضعف مواردها وقلة إيرادات ومدخولات أفرادها فهم لا يتمكنون من قضاء وتأمين مستلزماتهم الضرورية من مأكل ومشرب وإن وجدت عند البعض كان عائق الأمن أعظم هم وأكبر كدر ومصيبة.
ونحن نرفل بالنعم نتذكر أننا مقصرون في الإسراف والتبذير على حد سواء ومن الرجال والنساء حينما لا نراعي ترشيد الإنفاق وزيادة التسوق والاستهلاك السلبي.
ولو نظرنا في بعض المشتريات والكماليات والسلع والخدمات الهامشية وبأسعار عالية لعرفنا قصورنا في هذا المجال.
هناك من لا يرعى النعمة ويصرف ويسرف ويبذخ فيما يحتاج وما لا يحتاج وربما اشترى السلعة تلو السلعة والأولى لم تفتح بعد وربما انتهت صلاحيتها أو تقادم عهدها وهو لم يستفد منها، وهناك من لا يذهب لعمله حتى يأخذ كوباً من القهوة ومن محلات محددة بمبلغ كبير يستطيع أن يقلل ميزانيتها الشهرية لأقل من 5 % لو أنه جهز قوته في داره، وكذلك من لا يذهب إلا لحلاقين معينين لا ميزة فيهم سوى أنه يذهب عندهم فلان من الناس، وأما الإسراف في الطعام داخل المنزل أو في الحفلات والمناسبات فلا حد له، وزد عليها بعض الطقوس والعادات الدخيلة السيئة التي ولجت علينا في عيادة المرضى وفي مناسبات النجاح وما يسمى بأعياد الميلاد بل وحتى الطلاق.
نحن مأمورون بعدم القلق على المستقبل ومأمورون أيضاً بالاعتدال في النفقات والمصروفات المنزلية وغيرها بلا إفراط ولا تفريط.