منصور بن صالح العُمري
في مسالك الحياة، قلّ أن ينجو المرء من زلّتين إن تخلّق بهما: العجلة والغضب؛ فهما أصل كثيرٍ من الخطأ، وهدمٌ لكثيرٍ من الجهد، وسببٌ في تكدير ما صفا، وتعطيل ما كان على وشك الاكتمال. العجلة ليست خفةً في الحركة، بل خفّة في التقدير، وزلةُ من يسير قبل أن يُبصر، ويَحكُم قبل أن يتبيّن.
هي أن تُقدَّم اليد قبل أن يُستشار العقل، وأن تُقال الكلمة قبل أن تُوزن بميزان العواقب.
وأما الغضب، فهو نارٌ تُزيّن لصاحبها أنها قوة، وما هي إلا لهبٌ يحرق من حوله، ثم يلتهمه هو أولًا.
هي لحظةُ ضعفٍ تتنكر في ثوب القوّة، يُفتح فيها باب القول بلا ضابط، والفعل بلا رُشد، ثم يُغلق خلفها باب الإصلاح، إلا ما رحم الله.
قال الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (37) سورة الأنبياء. فنبّهنا إلى أن العجلة من طبع البشر، لكنها ليست من شِيم الحكماء، بل داءٌ يُعالج بالصبر والتربية.
وفي الهدي النبوي، جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله الوصية، فقال له: «لا تغضب». قالها ثلاثًا، وكأنما يريد لها أن تُطفئ ثلاث نيران: نار القول، ونار الفعل، ونار الندم.
فالكلمة إذا اشتعلت في لحظة غضب، كانت كعود ثقاب في هشيم العلاقات، والفعل إن خرج من فوران انفعال، أطفأ سنين من البناء، والندم بعدها لا يجبر الكسر، وإن صدق.
وتسطع الحكمة في عبارةٍ تختصر المسافة بين العاطفة والعقل:
«إن التأني نصرٌ مؤجَّل، والغضب هزيمةٌ معجَّلة.»
فالتأني يُثمر على مهل، كغرسٍ يُروى بالصبر حتى ينضج، والغضب يقتلع في لحظة ما لا يُستعاد في دهر.
تأمل...
* كم من ودٍّ انقطع بسبب كلمة قيلت في ثورة غضب؟
* وكم من فرصةٍ ضاعت لأن صاحبها استعجل قبل أن يتبيّن؟
* وكم من صوابٍ فسد لأنه خرج من قلبٍ مشتعل، لا عقلٍ متّزن؟
الحِلم قوّة لا تُرى، والتؤدةُ ذكاء لا يُصفّق له أحد، لكنه يُكتب في سجلّ الراسخين.
فلا تجعل لحظة الانفعال تمحو تاريخًا من المحبة،
ولا تجعل العجلة تهدم ما يمكن أن يكتمل لو صبرت قليلاً.
فالعقل لا يظهر في فورة الانفعال، بل في الصمت الحكيم، وفي القرار الذي انتظر حتى هدأت النفس، وتكشّفت الصورة، ورضي الله عنه.
ليتني تخلّيتُ عن هاتين الصفتين في سابق عمري، فكم حفرتُ بهما هوّةً بيني وبين ما أريد، وكم ردمتُ بهما بئرًا قبل أن أنهل من عذب أمانيها.
لكنها فورة الشباب...
حين تتأملها حكمة المشيب، تتمنّى لو رجع الزمان قليلاً،
لكن ولاتَ حين مندم.