عبدالعزيز صالح الصالح
ليس في عالم اليوم من يقلل من شأن المتاحف التَّاريخيَّة سواء العامَّة أو الخاصَّة، أو يستصغر أهدافها، أو غاياتها، أو مقاصدها، أو أهمِّيتها المعنوية، أو الحسية، فإنها تعطي الباحث أو العاشق لهذا التراث، أو الزائر، قدرا كبيرا من المشاهدات والانطباعات والمرئيات الشَّخصيَّة عَّما تحتويه من مقتنيات تراثيَّة وموروثات شعبيَّة قيِّمة تحكي عن طابع تاريخيِّ عريق عن أمم سابقة في مختلف الحقب الزَّمنية - فالمتاحف التَّاريخيَّة في عصرنا الحالي أكثر انتشاراً وشعبيَّة، لأنها تأخذ من كل علم بقسط، «وتحلَّق في جميع مراكب التَّاريخ والثقَّافة، وتحبك ألوان المعرفة في حلة زاهية تفتن المشاهد والقارئ وتحتل في المستقبل مكان الصَّدارة بين المصادر التَّاريخيَّة العريقة، فقد كانت كنوزاً تاريخيَّة لا حصر لها فكل جيل يضيف لهذه الكنوز التراثيَّة ثمار أفكارهم ويمهدون السبيل لمن يأتي بعدهم... وهكذا.
ويرى الباحثون والمؤرِّخون أن هذه المقتنيات التَّراثيَّة والموروثات الشَّعبيَّة أنها من المميزات التي تتميز بها كل أمَّة من الأمم السابقة في عصورها الغابرة.
فهي تدل دلالة واضحة على اهتمام هؤلاء القوم بالعقل البشريِّ أوَّلاً إلى جانب رغبتهم في التوسع في البحوث العلميَّة والثَّقافية والتَّاريخيَّة حيث إن المختصين في مجال التراث يدعون إلى مواصلة البحث عن هذه الآثار التَّاريخيَّة العريقة والمثابرة في التنقيب عنها وشكر لمن شغل نفسه وفكره وعقله وماله في ذلك الزّمان حيث إن أمماً لم يوفهم التَّاريخ حقهم من البحث والتنقيب وقد أحاط بهم الغموض والإبهام وراحوا ضحية الإهمال والنِّسيان فلا ترى لهم أسماء في الكتب التَّاريخيَّة ولا ذكراً في معاجم الإعلام.
وليس صعباً على الباحث في الكتابة عن حياة أمم سابقة لم يعطها التاريخيِّ حقها من البحث والاستقصاء كما أن معرفة الحق ثمرة لتقارب الأجيال الإنسانيَّة فكل جيل يضيف إلى التراث الإنسانيِّ ثمار أفكاره وإذا أرادت أي أمة من الأمم أن تبني مجداً عليها أن تغرس في نفوس الأفراد روح الإيمان وأن تنشئ فيهم الشعور بالعزة وذلك عن طريق الاهتمام بماضيها وربطهم بحاضرهم وتعريف البراعم النَّاشئة بجهود أسلافهم ومآثرهم حيث إن أجدادهم كانوا قادة زمانها ومن حسن الطالع أن وهب الله بلادنا ولله الحمد والمنة بتراث عريق مليئاً بالابتكارات والموضوعات القيِّمة التي تعكس صورة ناصعة البياض عن ماض تليد حسب الآباء والأجداد في حقبة من الزمان وغذوه بالمقنيات التراثيَّة الجميلة والموروثات الشَّعبيَّة النادرة التي تعطي القارئ قدراً كبيراً من المعرفة والمعلومة من قدراتهم وعطاءاتهم وابتكاراتهم الرائعة على الرغم من قلَّة الإمكانات المالية والعلميَّة وقلَّة أدوات الابتكار في ذلك الزمان إلاَّ أنهم جدوا وأصروا وعملوا على إيجاد ما يساعدهم على ظروف الحياة القاسية حتى أصبح لهم كياناً معتبراً بسبب تاريخهم بما خلفوه من آثار جليلة وتراث خَالِد.
ولقد وفقني الباري عزَّوجلَّ بعد أن اتيحت لي الفرصة المناسبة التي كنت من أجلها تواقاً لزيارة متحف أخي الكريم الأستاذ/ طارق بن عبد الرحمن العبد الواحد وفقه الله في منزله العامر بمحافظة الدِّرعيَّة - حيِّ الفيصلية وبعد استراحة قصيرة داخل مجلسه العامر أخذني بجولة استطلاعية على ما يحتويه المتحف المصغر من مقتنيات تراثية نادرة وموروثات شعبيَّة قيِّمة حيث إن المتحف يضم أكثر من (200) قطعة أثريَّة متنوِّعة يقدر تاريخ كل قطعة بأكثر من مائة سنة هجرية، حيث أطلعني على كل صغيرة وكبيرة عمَّا يحتوي المتحف - وبعد نهاية الجولة الاستطلاعية القصيرة - تحدث لي الأستاذ طارق مشكوراً - مبيناً أن الهدف من هذا المتحف التراثي الخاصِّ هو الحفاظ على تراث هذه المحافظة وتراث الآباء والأجداد، وتنمية الهواية لديه وحبه الشديد لهذه المحافظة الغالية ولأهلها الكرام ممَّا دفعه بالشوق والحب لهذا التراث أخذ وقتاً ليس بالقصير في جمع شتات هذه المقتنيات التَّراثيَّة والموروثات التي تعتبر رافداً مهماً من روافد المعالم الأثريَّة.