أحمد بني قيس
لطالما رفع الغرب شعار «الحرية» وجعل منه حجر الزاوية في أنظمته السياسية والفكرية بل وروّج له كقيمة عالمية يجب أن تسود لكن المتأمل في السياسات الغربية سواء داخلياً أو خارجياً لا يلبث إلا وأن يصطدم بمفارقة صارخة تتجلّى في كيل الغرب بمكيالين عند تطبيق هذا المفهوم.
ففي الداخل الغربي مثلاً تُحاط حرية التعبير بهالة من القداسة إلا أن هذا التقديس لا يشمل الجميع فحين يُعبّر آخرون لا سيما من الجاليات المسلمة أو الأقليات الثقافية عن رأي لا ينسجم مع النسق العام يُتّهمون فوراً بالتحريض والتطرف.
ولعل أبرز مثال على ذلك إبداء أي انتقاد لإسرائيل وممارساتها أو التطرق لحقيقة المحرقة النازية والتي هي أراء تعرض صاحبها للهجوم وللوصم بمعاداة السامية فوراً وهو ما قد يتطور ليصل إلى درجة المطالبة بإخضاع من يُعبّر عن هذه الآراء للمحاسبة، بل وحتى للمساءلة القانونية وهذا الحال يؤكد حقيقة تبني الغرب لمنهج الكيل بمكيالين في منافاة صريحة وواضحة منه لحق التعبير عن الرأي الذي يزعم أنه يكفله للجميع.
وهذا التناقض يفضح جوهر الإشكال وهو أن «الحرية» عند الغرب في الكثير من الممارسات ليست قيمة إنسانية بل أداة سياسية تُستخدم حسب المصالح ما يجعل هذه الحرية التي يرفعون رايتها حرية مشروطة يتحكم بها ميزان القوة لا ميزان العدل.
وظاهرة الكيل بمكيالين في مسألة الحرية لا تضر فقط ضحاياها بل تضر أيضاً مصداقية من ينادي بها فكيف يمكن للعالم أن يثق بمن يُنادي بالحرية وفي نفس الوقت يمارس الإقصاء؟ وكيف يُطلب من شعوب أخرى تبني قيماً يرونها تُطبَّق بازدواجية واضحة لا يخجل منها حتى صاحبها؟.
ختاماً، يجب أن يُعلم بأن حضارة أي أمّة لا تُقاس بما ترفعه من شعارات بل بكيفية التزامها بها حين تُختبر والغرب اليوم مدعوّ لإعادة النظر في ممارساته والتوقف عن تصدير خطاب هو أول من يخالفه فالتناقض وازدواجية المعايير التي يمارسها يُفرّغ طلبه أياً كان من مضمونه ويكشف أن الخلل عنده ليس في الفكرة نفسها وإنما في مدى تمسكه بها وحقيقة تطبيقه لها.