د. محمد عبدالله الخازم
أسست أول دائرة صحية بالمملكة عام 1925م، في مكة المكرمة، كأول عمل مؤسسي رسمي للقطاع الصحي في المملكة. هذا يعني أننا في العام المائة منذ بداية تشكل القطاع الصحي السعودي بشكل مؤسسي.
قبل تأسيس المملكة كانت هناك مستشفيات القبان وأجياد وباب شريف في مكة وجدة، لكن تبقى إدارة الصحة في مكة هي أول تأسيس رسمي لمنظومة العمل الصحي السعودي، وبعدها توالى تأسيس القطاعات والهيئات الصحية والإسعافية في المملكة [انظر كتاب «المشهد الصحي السعودي»: د. محمد الخازم و د. حنان الأحمدي. مركز الحوار الوطني، 2010م.]. اللافت للانتباه هو صمت وزارة الصحة والقطاع الصحي بصفة عامة عن الاحتفاء بهذه المناسبة، ربما عدم معرفة بالتفاصيل التاريخية لمنظومة الصحة السعودية. على كل حال، لسنا نبحث عن مناسبات (احتفائية) بمرور مائة عام على تأسيس أول إدارة رسمية للخدمات الصحية في بلادنا، بقدر ما يهمنا التأمل وقراءة التاريخ، أين كنا وأين وصلنا؟ يهمنا استشراف المستقبل، إلى أين نحن ذاهبون؟ ويهمنا نقد المسيرة، هل كانت مميزة طيلة الأعوام أم أنها مثل أي مسيرة تخللها نجاحات واحتفالات وصعوبات وإخفاقات وعثرات؟
حتماً، نسعد بما تحقق حينما نقارن الماضي بالحاضر، نقارن قبل مائة عام والآن. نبتهج بما تحقق ونشيد بآبائنا وأسلافنا وقاداتنا في الماضي والحاضر الذين أسهموا في البناء العظيم لوطننا بكل مكوناته. أذكر هنا إشارة معالي الشيخ جميل الحجيلان (وزير الصحة بين عامي 1390 و1394هـ) إلى أن ميزانية الصحة لم تكن تتجاوز 500 مليون ريال خلال فترة وزارته، بينما هذا المبلغ قد يكون حالياً أقل من ميزانية مستشفى صغير بأطراف المدن.
على العموم، الصحة ليست استثناء من نمو عام ساد بلدنا وتطور طبيعي ضمن بقية التطورات. نتجاوز الجانب المادي ونتأمل في مسيرة القطاع الصحي، فقد مر بتحولات ضخمة ويبدو لي أننا لا زلنا نبحث عن هوية تميزه، ولا زلنا نأمل أن يكون أكثر تميزاً ووفاءً بكامل تطلعاتنا. ربما لأنه قطاع معقد، وتطلعاتنا فيه يحكمها الزوايا التي من خلالها ننظر له أو نقيمه من ناحية الفلسفة، الهوية، الانتشار، التوفر، العدالة، الجودة، التكلفة، إلى آخره من المعايير. في الصحة، عندما تريد الاحتفاء ستجد المعيار الذي تحتفي فيه وعندما تريد النقد ستجد المعيار الذي يقلقك!
أعتقد أن هذا القطاع مر بتحولات عديدة، ولست أدري هل كانت ضمن مسار تطور طبيعي أم اجتهادات وانعطافات وتجارب متغيرة. الناس يهمها المستقبل؛ إلى أين يسير القطاع الصحي في المملكة، كمنظومة وكخدمات وكانتشار وكجودة. هل نسير في الطريق الصحيح، في إدارة وتنظيم القطاع الصحي، أم أننا نواصل التجريب؟ هل يمكن تخيل أين سنكون بعد مائة عام أخرى؟ أو بعد فترات أقرب، بعد عشر سنوات أو عشرين سنه أو أكثر أو أقل؟
لا أملك سوى الأسئلة، فأرجو التعامل معها كأسئلة بعيداً عن أحاسيسي وإجاباتي الشخصية المقترحة. نعم مجرد أسئلة نرجو أن ينورنا بإجاباتها المعنيون والمهتمون والباحثون والمختصون والمراقبون. لنبدأ، بمنتدى يدعم الدراسات والبحوث الصحية ذات العلاقة ويقدمها على طاولة النقاش الموضوعي، الشفاف والحر. لنتعلم عبر دراسة ونقد واقعنا واستلهام مستقبلنا في مجال الخدمات الصحية بكافة أبعادها التنظيمية والنوعية والكمية والمادية وتداخلاتها التنموية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية وغيرها.