د. سطام بن عبدالله آل سعد
«لا تنجح خطط التنمية من الأعلى، إلا حين تتكئ على فهمٍ عميق لما يحدث في الزوايا الصغيرة من الوطن».
د. سطام بن عبدالله آل سعد
تشهد المملكة تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية متسارعة، ما يفرض ضرورة إعادة النظر في الأدوار التقليدية لبعض المناصب المجتمعية، وفي مقدّمتها «عمدة الحي»، الذي ظل لسنوات حبيس دور محدود يقتصر على المهام الإجرائية أو الجوانب الخدمية البسيطة. إلا أن تعقّد الاحتياجات الحضرية وتزايد التحديات المحلية يستدعيان اليوم تفعيل هذا الدور بأسلوب أكثر حداثة وفعالية، يتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويخدم مسار التنمية المحلية المستدامة.
إن أحياء المدن الكبرى - كالرياض، ومكة المكرمة، وجدة، والدمام، وغيرها - لم تعد مجرد تجمعات سكانية، بل تحوّلت إلى مجتمعات مصغّرة داخل المدن، لكل منها طابعها واحتياجاتها الخاصة. ومن هنا تبرز أهمية إنشاء مجلس حي يترأسه عمدة مؤهل علمياً وعملياً، ويضم ممثلين عن السكان، لضمان أن تكون القرارات نابعة من الميدان، ومبنية على فهم واقعي وعميق لاحتياجات الأهالي.
وليس هذا فحسب، فالمشاريع التي تُنفذ في الأحياء السكنية -من حدائق، ومراكز خدمات، وشوارع، وأرصفة، ومواقف- غالبًا ما تُقام بمعزل عن السكان أنفسهم، مما يؤدي إلى هدر في الموارد والوقت، وإقامة منشآت لا تلقى قبولاً مجتمعياً ولا استخداماً فعلياً. إنّ دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع خدمي يجب أن تنطلق من فهم عميق للسكان، باعتبارهم عنصراً رئيساً في المعادلة التنموية. فإشراكهم في التخطيط والرأي من خلال مجلس الحي يحقق رضا المجتمع، ويضمن كفاءة الإنفاق وتوجيه المشاريع نحو الأولويات الحقيقية، مما يختصر الزمن، ويقلل الهدر، ويزيد من الأثر الإيجابي على جودة الحياة.
ويتجاوز دور «مجلس الحي» كونه مجرد قناة لرفع الطلبات إلى البلديات أو الجهات الخدمية، ليصبح حلقة وصل فعّالة بين السكان والجهات الرسمية. كما يسهم في تنظيم المبادرات التوعوية والتطوعية داخل الحي، ويعزز التماسك الاجتماعي، وينشر ثقافة المواطنة الفاعلة والمسؤولة.
وحتى يؤدي عمدة الحي هذا الدور المحوري، من الضروري أن يخضع لاشتراطات دقيقة تضمن كفاءته، مثل المؤهل العلمي، والخبرة المجتمعية، والقدرة على إدارة الحوار المجتمعي وقيادة الفرق التطوعية، بالإضافة إلى دعم تدريبي وتمكيني من الجهات المعنية.
وعليه فإنّ تفعيل دور عمدة الحي ومجلس الحي بطريقة مغايرة عن المفهوم السابق، هو ضرورة تنظيمية وتنموية، تسهم في تحسين جودة الحياة، وتخفيف العبء على الجهات الحكومية، وتسريع الاستجابة للمشكلات المحلية، وجعل المواطن شريكًا في التنمية، لا مجرد متلقٍّ للخدمة.
** **
- مستشار التنمية المستدامة