فاطمة الصباح
الكاريزما ليست مجرد حضور لافت أو كلمات منمّقة.. هي تلك الهالة الغامضة التي تحيط بشخص ما، فتجعلك تلتفت إليه دون أن تعرف السبب. هي مزيج من الثقة، والجاذبية، والتأثير، لكنها ليست دائمًا انعكاسًا حقيقيًا لما في الداخل. قد تُبهرنا، تُدهشنا، وتجعلنا نظن أن خلفها قلبًا نقيًا.. لكنها أحيانًا لا تكون أكثر من قناعٍ مُتقن الصنع.
بريق الكاريزما.. هل يعكس ما في الداخل؟
في عالمنا المتسارع، أصبحت الكاريزما عملة نادرة، لكنها مؤثرة. ذاك البريق في الحضور، النظرة الواثقة، والحديث الجذاب... كلها تصنع انطباعًا قد يسبق الحقيقة. كثيرون يُفتنون بالشخص «الكاريزمي»، ويمنحونه الثقة قبل أن يعرفوا جوهره، لكن هل الكاريزما دائمًا مرآة للداخل؟ أحيانًا، تختبئ خلف الكاريزما شخصيات هشّة، أو حتى أنانية، تُجيد التمثيل أكثر من العطاء، وهنا تكمن الخطورة: عندما نحكم على العمق من خلال السطح فقط. الكاريزما ليست شرًا بحد ذاتها، بل أداة حين يمتلكها صاحب مبدأ وقيم، تصبح طريقًا للإلهام والتأثير الإيجابي، لكنها في يد من لا يملك عمقًا، قد تُستخدم كقناع يُضلّل الآخرين. علينا ألّا ننبهر سريعًا، ولا نمنح الثقة إلا بعد تجربة، فالعين قد تُخدع، أما المواقف فلا تكذب.
هل يمكننا خلق الكاريزما؟
لطالما اعتُبرت الكاريزما هبة فطرية، يولد بها بعضهم فتجعلهم يضيئون أينما ذهبوا، لكن الحقيقة التي يغفلها كثيرون هي أن الكاريزما ليست مجرد هبة.. بل مهارة يمكن صقلها وتعلّمها في جوهرها، الكاريزما تقوم على الثقة بالنفس، والقدرة على التواصل، والحضور الذهني، وهذه كلها صفات يمكن تنميتها بالتدريب والممارسة. حين يبدأ الإنسان بوعي ذاته، ويتقن الاستماع، وفن الحديث، وقراءة مشاعر الآخرين، تنمو حوله هالة من الحضور تجذب الآخرين، فالكاريزما ليست صخبًا، بل تأثير هادئ ينبع من الداخل ويصل للقلوب، لكن يبقى الجوهر هو الفارق. الكاريزما المزيفة تسقط مع أول اختبار، أما تلك المبنية على صدق المشاعر وعمق القيم، فهي التي تبقى وتُخلّد. إذن نعم، يمكننا أن نخلق الكاريزما.. بشرط أن نزرعها في تربة صادقة، لا في قناعٍ هشّ.
في النهاية، الكاريزما الحقيقية لا تُختلق، بل تُولد من انسجام الداخل مع الخارج، فالأرواح النقيّة، حتى في صمتها.. تُبهِر.
ليس كل ما يلمع ذهبًا.. وبعض الوجوه الباسمة تخفي عواصف لا تُرى.