رسيني الرسيني
شهد قطاع التأمين في المملكة خلال الربع الأول من عام 2025م أداءً ملحوظًا يعكس استمرار نمو السوق من جهة، وتحديات في الربحية من جهة أخرى. فقد كشفت هيئة التأمين في تقريرها الربعي الأخير عن ارتفاع إجمالي أقساط التأمين المكتتبة بنسبة 15 % مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024م، حيث صعدت من 22.62 مليار ريال إلى 26.01 مليار ريال. ويُعد هذا النمو استمرارًا للتوسع في أنشطة التأمين داخل المملكة، مدعومًا بزيادة الوعي التأميني والتطورات التشريعية والتنظيمية، إضافة إلى التوسع الاقتصادي في قطاعات متعددة، مما حفّز الطلب على منتجات التأمين، سواء الإلزامية أو الاختيارية.
ومن أبرز المؤشرات هو استمرار الأداء اللافت لمنتج الحماية والادخار، الذي سجل ارتفاعًا تجاوز نسبة 98 % مقارنة بالربع الأول من العام السابق. وهو أمر متوافق مع أداء المنتج في التقرير السنوي الأخير، إذ مثل في العام السابق 10 % من حجم السوق، بينما كان يمثل حوالي 3 % فقط في السنوات السابقة. ويعكس هذا النمو المتسارع تحولًا جوهريًا في سلوك الأفراد والمؤسسات تجاه تبني منتجات تأمينية تجمع بين الحماية المالية والاستثمار طويل الأجل. كما يشير إلى نجاح الحملات التوعوية في تعزيز ثقافة الادخار، إلى جانب رغبة شريحة كبيرة من المجتمع في التخطيط المالي للمستقبل.
ورغم هذا النمو في الأقساط والمنتجات، إلا أن التقرير أشار إلى تراجع في ربحية القطاع، حيث انخفض صافي الربح من 897 مليون ريال في الربع الأول من 2024م إلى 663 مليون ريال في الربع نفسه من 2025م، أي بنسبة انخفاض تقارب 26 %. ويعزى هذا التراجع في الربحية إلى مجموعة من العوامل المؤثرة، أهمها تزايد حجم المطالبات التأمينية، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وشدة المنافسة بهدف كسب الحصة السوقية، الأمر الذي انعكس سلبًا على هوامش الأرباح. ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في تراجع الربحية هو انخفاض دخل الاستثمار، حيث واجهت بعض المحافظ الاستثمارية تقلبات في الأسواق المالية أدت إلى تقليص العوائد.
هذا التباين بين نمو الأقساط وتراجع الربحية يضع أمام القطاع تحديات كبيرة وفرصًا واعدة في آنٍ واحد. فمن جهة، يعكس ارتفاع الأقساط توسعًا مغريًا في حجم السوق، وتحولًا تدريجيًا نحو تأمين أكثر شمولًا وتنوعًا، خاصة في ظل تنامي الطلب على المنتجات طويلة الأجل كالحماية والادخار ووجود مشاريع كبيرة في المملكة. ومن جهة أخرى، يكشف التراجع في الربحية عن الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيات التسعير، وإدارة المطالبات، وتحسين كفاءة التشغيل، فضلًا عن ضرورة الاستثمار في التقنيات الحديثة وتحليل البيانات لتعزيز التنبؤ بالمخاطر واتخاذ القرارات المدروسة.
حسنًا، ثم ماذا؟
يرى بعض المختصين أن الاستثمار في قطاع التأمين عالميًا ليس هدفه الأساس تحقيق الأرباح، بينما هو أداة للتنويع في محفظة الاستثمار والاستفادة من التدفقات النقدية وغيرها من العوامل، ولهذا الرأي سأكتب تفصيلًا عنه في مقالة أخرى - إن شاء الله -.