د. محمد بن إبراهيم الملحم
طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يكتب لكم مقالة اليوم متحدثا عن أكبر همٍّ لدى كل شخص يعتني بالتعليم وهو: كيف يمكن لدولة لا تعد من الدول المتقدمة ولكن لديها في طريقها الواثق نحو هذا المستوى (وأقصد مثل بلادنا الحبيبة) أن تحقق نجاحا في تطوير التعليم العام لديها فماذا يجب أن تفعل؟ فكتب مشكوراً كلاماً أعجبني لأنه تناظر مع كثير من الجوانب التي سبق أن طالبت بها لتطوير التعليم كما أنه اتسق أيضا مع جوانب مهمة تسير فيها بلادنا الحبيبة ولله الحمد وأهمها جانب الرؤية، فإليكم ما كتب.
«أولا فإن الاستمرارية في السياسات التعليمية هو حجر الأساس لأي إصلاح ناجح ففي كثير من الدول شبه المتقدمة، تُعد تغيرات السياسات التعليمية المتكررة من أكبر العوائق أمام تحقيق تنمية تعليمية حقيقية. فعندما تتغير الحكومات أو الوزراء، غالبًا ما تصحبها تغييرات مفاجئة في الخطط والمناهج والمشروعات التعليمية، مما يؤدي إلى إرباك المعلمين والطلبة وتشتت الجهود، وهدر الموارد على مشاريع لم تُستكمل، وتآكل الثقة بين المجتمع والنظام التعليمي.
أما الدول التي حققت نجاحًا حقيقيًا، فقد أدركت أهمية الاستقرار السياسي والتربوي في القطاع التعليمي. واتبعت استراتيجيات تقوم على وضع رؤى تعليمية طويلة الأمد (20-30 سنة) مثل «رؤية التعليم 2030» في بعض الدول، والتي تُصمم بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية، والخبراء، والقطاع الخاص، مما يجعلها رؤية وطنية لا تتغير بتغير الحكومات.
ثانياً فإن وجود مؤسسات مستقلة للتخطيط التربوي هو أساس هذا التطوير وذلك مثل المجالس الوطنية للتعليم، أو مراكز السياسات التعليمية، التي تعمل بمعزل عن ضغوط السياسة اليومية، وتتابع تنفيذ الخطط، وتقيس الأداء بانتظام. وثالثا فإن التوافق السياسي والمجتمعي على أهداف التعليم ضرورة مهمة فكلما كانت أهداف التعليم محل إجماع وطني مثل رفع جودة التعليم الأساسي، وتعزيز قيم المواطنة، وتقوية المهارات الرقمية، أصبح من الصعب المساس بها مع أي تغيير حكومي. ورابعا ضرورة الاستفادة من التراكم والتقييم بدل الهدم وإعادة البناء، فبدلا من إلغاء مشروع تربوي سابق فقط لأنه من عهد سياسي آخر، فإن الدول الناجحة تقوم بتقييم نتائجه بموضوعية ثم تحسينه وتطويره، لا إلغاؤه.
أخيراً، نؤكد على أن نتيجة الاستمرارية في التطوير بما تقدم شرحه يؤدي إلى أن تسير الخطط التعليمية بثبات، ويتمكن المعلمون والإدارات من بناء خبراتهم ومهاراتهم عبر الزمن، وتُستثمر الموارد بكفاءة عالية، ويكتسب النظام التعليمي مصداقية واستقرارًا ينعكسان على جودة المخرجات.»
انتهى مقال الذكاء الصناعي، وتعليقي عليه هو إن ما ذكره في أولا (مشكورا) لا يختلف عليه اثنان في طول مملكتنا وعرضها بل إنه حديث كل شخصين سيطرقان هذا الموضوع ، لا لأننا جميعا خبراء تعليميون أفضل من الذكاء الصناعي، ولكن لأن كل شخص (شاملا رجل الشارع البسيط) عاش تجربة التغييرات المتكررة والسريعة والمرهقة للنظام التعليمي لدينا والتي ذهب كثير من تجاربها أدراج الرياح، واستوعب كل شخص أن هذه التغييرات السريعة (وربما غير المدروسة بعناية أحيانا) لا تؤدي إلى شاطئ الراحة والاستقرار، وما ذكره في ثانيا سبق لي أن أشرت إليه في أكثر من مقال هنا، ولازلت أحدث به نفسي وغيري أننا بحاجة إلى مجالس وطنية خاصة بالتعليم وسياساته حتى يخف هذا العبء عن كاهل الوزارة وتقدم مثل هذه المجالس لأصحاب القرار الأعلى في حكومتنا دراسات ناضجة ورؤى وطنية قوية ترتقي بالعمل التربوي وتحافظ في نفس الوقت على استمراريته فلا يتأثر بتغير أصحاب القرار أو مساعديهم سواء من أصحاب المعالي الوزراء أو أصحاب السعادة الوكلاء.
وأشير أخيرا إلى ما ورد في «ثالثا» وهو التوافق السياسي والمجتمعي، وبالطبع فلدينا لا تنطبق مفردة «التوافق السياسي» لأننا يد واحدة ولله الحمد فلا أحزاب أو مذاهب سياسية هنا، ولكن «التوافق المجتمعي» هو ما يمكن أن نزيده وضوحا وتفسيرا، فالمقصود به هو أن تتناغم السياسات والأنظمة المطروحة كتطوير للتعليم مع رؤية وتطلعات أفراد المجتمع فلا تكون غريبة عنهم شاذة وتجريبية ، وعندها لن تجد الدعم والمساندة، وإنما يجب أن تنطلق منهم وبهم، وهو ما يحققه أسلوب مسوح الرأي العام وهو ما وفرته الدولة رعاها الله من خلال المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام.