د. جوليا فؤاد السيد هارون
في قلب العالم العربي، تتربع المملكة العربية السعودية بمكانتها التاريخية، وروحها القيادية، وحكمتها السياسية، لتصبح أكثر من مجرد دولة ذات سيادة وحدود. لقد تحولت المملكة، عبر العقود، إلى مرجعية عربية شاملة، تُشبه في دورها دور الأم الحانية التي تحتضن أبناءها، ترعى شؤونهم، وتحمل على عاتقها مسؤولياتهم، دون كلل أو منّة.
وفي وقتٍ تعصف فيه التحديات بالمنطقة، وتزداد فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية تعقيدًا، برزت المملكة كصوتٍ للعقل والاعتدال، وركيزة للاستقرار، وذراع دعم تمتد إلى كل من يلجأ إليها. لم يكن هذا الدور وليد اللحظة، بل هو امتداد لتاريخ طويل من التزامها بقضايا الأمة، واستعدادها الدائم للتضحية والبذل في سبيل وحدة الصف العربي، وبناء مستقبل مشترك يسوده الأمن والتنمية.
السعودية.. قيادة تجمع ولا تفرق
تميزت المملكة بسياساتها الرشيدة التي تضع وحدة الصف العربي في صميم أولوياتها. فبدلاً من الانخراط في الصراعات أو تغذية الانقسامات، سعت إلى لم الشمل وتعزيز لغة الحوار بين الأشقاء، فكانت ولا تزال جسراً للتقارب، ومنبرًا للتفاهم، ومرجعية لحل النزاعات بروح عربية أصيلة.
وما يميز الدور السعودي أنه لا يقوم على المصالح الضيقة أو المكاسب الآنية، بل على إيمان عميق بأن قوة العرب من قوة وحدتهم، وأن ازدهار أي جزء من الأمة ينعكس على الجميع. من هذا المنطلق، قدمت المملكة مبادرات شاملة لتحقيق الأمن الإقليمي، والدفع نحو الاستقرار، وتوفير بيئة تعزز من فرص التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدول العربية.
دعم لا ينقطع.. وإنسانية لا تعرف الحدود
لم تبخل المملكة يوماً في مد يد العون لمن يحتاج، فكانت حاضرة دائمًا بالمساعدات الإنسانية، والدعم الاقتصادي، والمبادرات الإغاثية التي تتخطى الحواجز الجغرافية والسياسية. وقد أنشأت المؤسسات والمنظمات التي تُعنى بالشأن الإنساني، وقدمت عبرها الدعم لملايين المحتاجين في العالم العربي، انطلاقًا من مبدأ راسخ بأن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لا تتجزأ.
وفي زمن الشدائد، كانت السعودية أول من يستجيب، تبادر إلى تقديم الدعم اللوجستي والطبي والغذائي، وتسخّر إمكاناتها لخدمة الإنسان أينما كان، مستندة إلى سياسة قائمة على الرحمة والتكافل والتضامن.
رؤية تقود.. وريادة تُلهم
من خلال رؤية السعودية 2030، انطلقت المملكة نحو مستقبل مختلف، لكنها لم تنعزل عن محيطها العربي. بل جعلت من هذه الرؤية مصدر إلهام لكيفية بناء دول قادرة، واقتصادات متنوعة، ومجتمعات حيوية. وهي بذلك لا تقود نفسها فحسب، بل تشارك تجربتها، وتنقل خبراتها، وتفتح أبواب الشراكات الإقليمية التي تنهض بالجميع.
لقد أدركت المملكة أن قوة المنطقة لا تُبنى إلا بالتكامل، فبادرت إلى إطلاق مشاريع كبرى، ومبادرات بيئية وتنموية واقتصادية، تسهم في تمكين الدول العربية من مواجهة تحديات المستقبل، وتحقيق تطلعات شعوبها.
فاعلية في صناعة المشهد العربي
لم تكن المملكة يومًا دولة متفرّجة على المشهد العربي، بل كانت دائمًا جزءًا فاعلًا في صناعته وتشكيله على أسس من التآخي، والاحترام المتبادل، والعمل الجماعي.
لقد تبنّت خطابًا عربيًا جامعًا، بعيدًا عن الاستقطاب والانقسام، وسعت بكل ما أوتيت من حكمة ونفوذ إلى بناء البيت العربي من الداخل، بدءًا من إصلاح العلاقات، مرورًا بتقوية الاقتصاد العربي المشترك، وانتهاءً بتقديم نفسها كدولة تُمثل وجدان الأمة، وتتحمل أعباءها بكل رضا واعتزاز.
وفي الختام إن من يتأمل المشهد العربي يدرك تمامًا أن المملكة العربية السعودية ليست فقط دولة ذات نفوذ وقوة، بل هي القلب الذي ينبض بالخير لأمته، والعقل الذي يسعى للوحدة، واليد التي تمتد بالمساعدة والعطاء دون تردد.
لقد أصبحت المملكة بحق أمًا للعرب، تحملهم في فكرها، وتحنو عليهم بسياساتها، وتبذل من أجلهم دون مقابل، مؤمنة بأن رسالتها لا تكتمل إلا حينما تنهض الأمة العربية بكاملها. هي أمٌّ لا تغلق بابها في وجه من يطرق، ولا تتراجع عن واجبها تجاه من يحتاج، تسير بثبات نحو مستقبل مشرق، حاملة على كتفيها مسؤولية أمة، ورسالة تاريخ، وأمل شعب عربي واحد موحد.