د.عبدالرحيم محمود جاموس
من جديد، تُفتح أبواب الجحيم في وجه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، مع صدور أوامر نزوح قسري من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تدفع بالسكان نحو «المواصي»، رقعة جغرافية لا تتسع لأحلامهم ولا حتى لأجسادهم. أمرٌ يتجاوز مفردات الحرب التقليدية، ليؤكد أن ما يجري هو تنفيذ صريح لسياسة تطهير عرقي ممنهج، وطوفان عسكري مدجج وتحت غطاء سياسي دولي.
البيان الصادر عن رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، على لسان رئيسه روحي فتوح، لم يكن مجرد تصريح سياسي؛ بل صرخة إنسانية موجهة للعالم بأسره.
لقد وصف الواقع كما هو: ترحيل جماعي قسري في ظروف لا إنسانية، وسط حصار خانق ومجاعة وأوبئة، لتتحول غزة إلى مسرح مفتوح لجريمة موصوفة ضد الإنسانية.
المفارقة المأساوية أن هذه الكارثة لا تحدث في الخفاء، بل على مرأى من العالم كله، دون أن يتحرك ضمير المجتمع الدولي أو مؤسساته، التي يبدو أنها تخلت عن واجبها الأخلاقي والقانوني.
إن صمت الدول الكبرى، وتلكؤ الأمم المتحدة، وانعدام المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا يمكن تفسيره إلا كشكل من أشكال التواطؤ أو الشراكة في الجريمة.
التقارير الأممية، من منظمة الصحة العالمية إلى الأونروا، تؤكد جميعها أن الوضع الإنساني في غزة تجاوز كل الخطوط الحمراء: مئات آلاف النازحين بلا مأوى، أطفال يموتون جوعًا أو عطشًا، عائلات بأكملها تُقصف أثناء تنقلها القسري.
هذا الواقع يعيد إلى الأذهان نكبة 1948، لكن بصورة أكثر وحشية وعلنية.
السؤال المطروح: إلى متى يُترك سكان غزة يتعذبون وحدهم؟ إلى متى يُمنح الاحتلال الإسرائيلي تفويضًا غير معلن لمواصلة هذه السياسات دون مساءلة؟
لقد آن الأوان لتدخل دولي عاجل يضع حدًا لهذه المأساة المستمرة، ويعيد الاعتبار للقانون الدولي والعدالة الإنسانية، قبل أن تُطوى غزة في صفحة منسية من التاريخ، مثلما طُويت غيرها من المجازر الصامتة.