هويدا المرشود
لم يعد الجيل الجديد يعبّر عن نفسه بما اعتدنا عليه. إنه جيل تشكّل في زمن مختلف، تحيطه خيارات متعددة، وسرعة مذهلة في التغيّر، وعالم مفتوح يعرض كل شيء… دون سياج.
ما نشهده اليوم من تحوّل ثقافي بين الشباب لا يمكن فصله عن موجة الانفتاح الاجتماعي التي تعيشها المملكة، التي جاءت ضمن رؤية تنموية واضحة، تهدف إلى رفع جودة الحياة وتمكين الإنسان، دون المساس بالثوابت الدينية والوطنية التي ظلت حجر الزاوية في هذا المشروع. ومع ذلك، فإن تداخل القيم العالمية، وتغيّر وسائل التأثير والتلقي، أوجد واقعًا جديدًا لا يخلو من التحديات.
جيل اليوم لا يُعادينا، لكنه لا يُشبهنا تمامًا.
نظرته إلى مفاهيم مثل الأسرة، العمل، الالتزام، الخصوصية، وحتى التدين، قد تختلف في الشكل، لكنها ليست بالضرورة خروجًا عن الجوهر. كثير من الشباب بات يُعبّر عن التزامه بصورة أكثر شخصية، لا عبر القوالب القديمة. وتلك مسألة تستحق الفهم، لا الإدانة.
من المهم هنا التمييز بين الثقافة المتغيّرة والقيم الثابتة. فالثقافة يُعاد تشكيلها بحكم المعطيات المتجددة، أما القيم العليا التي تستند إلى الشريعة، فهي الضمانة الكبرى التي تُنير الطريق وسط كل هذا التزاحم.
نحن لا ندعو إلى إعادة تعريف القيم، بل إلى قراءة تحولات الجيل في ضوء هذه القيم، وفهم ما يمرّون به من ارتباك أو بحث أو صمت. لا لنُجيز الانفلات، بل لنرسم جسورًا من الفهم العميق والحوار الذكي، قبل أن تزداد الفجوة بين المجتمع وشبابه.
المطلوب اليوم ليس مقاومة التغيير، بل إدارته. لا رفض الجديد، بل توجيهه.
لا الخوف من الأسئلة، بل احتضانها والإجابة عنها بصدق، من منطلق العلم والشرع.
فجيل اليوم، حين يُحتضن بحكمة، لا يكون خصمًا للمجتمع... بل شريكه الأقوى في صونه.