إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
يواصل معهد مسك للفنون، التابع لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، دعمه للممارسات الفنية المعاصرة من خلال «إقامة مساحة»، حيث أصبحت منصة رائدة للفنانين المحليين والإقليميين لاستكشاف أفكارهم وتطوير مشاريعهم في بيئة غنية بالتفاعل والتبادل المعرفي.
يهدف البرنامج إلى تمكين الفنانين من خوض تجارب بحثية وإبداعية معمقة، تقودهم إلى إنتاج أعمال فنية ذات بُعد فكري واجتماعي يعكس التحولات الثقافية والإنسانية الراهنة.
في دورته التاسعة التي جاءت تحت عنوان «أثَر في عالم متحوّل»، انطلق برنامج «مساحة» ليستعرض ما يقارب اثني عشر مشروعًا فنيًا، تناول كل منها بطريقته الخاصة موضوعات الهوية، والذاكرة، والمجتمع، عبر مقاربات فنية تتفاعل مع تعقيدات الإرث الثقافي والانتماء في عالم سريع التغيّر. وقدّم هذا العرض خلاصة تأملات متقاطعة، تُحاول من خلالها الأعمال سد الفجوة بين الماضي والحاضر، وبين التجربة الذاتية والجمعية من خلال لغة الفن.
طوال ثلاثة أشهر من العمل المكثّف، شارك ثلاثة عشر فنانًا وفنانة في إقامة «مساحة»، متتبعين خطوط التغيير من زوايا متعددة، مثل: استحضار الرموز الموروثة عبر تقنيات تكنولوجية معاصرة، أو صياغة الحكايات الشخصية المهمّشة كمرآة للذات، أو التعبير عن فقدان اللغة والثقافة من خلال طقوس وذاكرة مادية، أو حتى استدعاء دفء المنزل وذكريات الأجيال في أرشيفات مليئة بالحب والانتماء.
برزت الصحراء في عدد من المشاريع كأرشيف حي، تنصهر فيه الرموز التراثية مع الذكاء الاصطناعي والعروض الأدائية، لتُشكّل جسورًا بين المعارف القديمة والآفاق المستقبلية.
وفي تجارب أخرى، ظهرت دفاتر معلّقة تحمل شذرات من الذاكرة الشخصية، وتعكس صورًا غير مكتملة تحاكي تأملًا صامتًا، كما جسّدت أعمالا أخرى اتآكل اللغات المهددة من خلال الصوت، والطين، والطقس، محاولةً بعذوبة استعادة الرابط الهش بين الأرض والصوت والانتماء.
أما اللقاءات اليومية والأحاديث المسجلة، فقد تحولت إلى أرشيفات سمعية نسيجية، تحفظ إيماءات النساء وذاكرتهن العابرة للأجيال، في محاولة لتوثيق الحكاية الإنسانية في أكثر صورها دفئًا وصدقًا.
تتآلف كل هذه الخيوط الفنية في نسيج واحد يعكس تفاعلًا حيويًا مع المكان، والذاكرة، والاستمرارية الثقافية، لتقدّم الأعمال ليس مجرد أجوبة، بل دعوات صادقة للإصغاء والتأمل والتخيل. ففي زمن يفرض تحولات متسارعة، تبحث هذه الأعمال عن طرق جديدة للفهم والوصول، وتُعيد صياغة علاقتنا بالعالم من حولنا.
المشاركون وأعمالهم:
* إيشتا جيلان - تركيا، 1988
العمل: «شيفرات المستقبل القديم»
تركيب أدائي غامر ومتعدد الطبقات، يعيد فيه تخيّل الصحراء كأرشيف حي تتقاطع فيه الحكمة القديمة والرموز المقدسة، مستلهمًا من كثبان الدهناء، وأصداف العلا البحرية، وحرف النون في التراث الإسلامي، ليعيد الربط بين الماضي والمعرفة المستقبلية باستخدام الوسائط الحسية والتكنولوجية.
* جود الذكير - السعودية، 1998
العمل: «ريشة عالقة في الحنجرة»
عمل أرشيفي حي يستند إلى أحاديث نسائية منزلية حول الهجرة والذاكرة، سجّلتها الفنانة في لقاءات متعددة، وجسّدتها على قماش ملطخ بالشاي مع صور شخصية، لتحوّل لحظات الحديث العفوي إلى حكاية بصرية مشبعة بالحنين والدفء.
* بهار كوجابي - فرنسا، 1995
العمل: «السدر»
تركيب نباتي يستكشف رمزية شجرة السدر في بيئة الرياض، بوصفها رمزًا للمثابرة في مواجهة البيئات القاسية. يستعرض العمل قدرة الطبيعة على الاستمرار، وكيف يمكن أن تعكس قوة التحول والصمود في المجتمعات.
* سارة الجهني - السعودية، 1994
العمل: «حينما يهمس الطين»
عمل تركيبي ينبع من البحث الميداني في ترميم البيوت الطينية، ويعرض التفاعل الحسي مع مواد البناء التقليدية، حيث يتحول الطين إلى سجل حي لمسارات البناء والانهيار والترميم، ويجمع بين الحرفة اليدوية والسرد الشفهي.
* ماريا موتيليفا (1988) وديانا سميكوفا (2003) - روسيا
العمل: «البقاء في الضوء»
أرشيف ناعم يوثق القصص النسائية والعائلية المنسية، باستخدام تقنيات النسيج والصور الفوتوغرافية، ليستحضر الحكايات التي تنتقل من يد إلى يد عبر الصمت والإبداع.
* خالد ناظرة - السعودية، 1994
العمل: «شفافية الرمال»
عمل استكشافي يرصد تحولات الرمل إلى زجاج، بوصفها استعارة لتحولات داخلية وخارجية. يعكس العمل العلاقة بين المادة والضوء والزمن، حيث يتحول الزجاج إلى وسيط للتأمل في الوجود.
* بشرى الجمعة - السعودية، 1994
العمل: «صوت نمو العشب أيقظني»
مزجت الفنانة بين الزخارف الحديدية التقليدية وصور الأزهار، في تركيب بصري يربط بين القسوة والرقة، الضوء والحركة، لتعيد ترتيب إدراكنا الجمالي للزمن والذاكرة.
* ميفان مكية - كندا، 1999
العمل: «(خط، ندبة، مسرح)»
مشروع تركيبي بحثي يعيد قراءة التحولات التاريخية في المنطقة الحدودية بين السعودية والعراق، عبر وثائق أرشيفية معاد معالجتها، ومشاهد افتراضية مجسمة تروى بشكل غير خطي.
* غدير حميد - السعودية، 1983
العمل: «انعكاس لا ينتهي»
تُعلّق دفاتر رسم على صفحة واحدة، فيما تعكس مرآة أسفلها المتلقي، لتخلق تفاعلًا بين الرؤية والذاكرة، في تأمل صامت حول الحكايات غير المكتملة.
* جيمس واغستاف - المملكة المتحدة، 1989
العمل: «ماذا سيكلفك ألا تسامح؟»
يركز على فكرة التسامح الداخلي والخارجي، من خلال مجموعة أغراض مألوفة ترتبط بثقافات مختلفة، ساعيًا إلى بناء لغة بصرية تفتح المجال للشفاء والحوار الشخصي والمجتمعي.
* ماريا دافا - ليتوانيا، 1991
العمل: «حديقة الأغاني المنسية»
عمل صوتي وخزفي يستلهم التقاليد الشفهية في جازان وليتوانيا، ويستعرض كيف تعيش اللغة في الجسد والطقس، مؤكدًا هشاشة العلاقة بين الذاكرة والمكان.
* ملاك الموسى - السعودية، 1995
العمل: «إحداثيات ذكرى موروثة»
تركيب تفاعلي يستحضر ذاكرة الجدات والنساء المنسيات، من خلال استكشاف الانفعالات والملامح المتوارثة، مستلهمًا الإرث الحجازي البدوي في محاكاة لحضور الغياب.
مسك للفنون.. تمكين الفن وربط السعودية بالعالم
تُجسّد إقامة «مساحة» في دورتها التاسعة جزءًا من الجهود المستمرة التي تبذلها مؤسسة محمد بن سلمان غير الربحية «مسك»، ممثلة بـ معهد مسك للفنون، لتمكين المواهب السعودية وربط الفنون المحلية بالحوار العالمي. ويأتي البرنامج كمبادرة فنية ومعرفية تسهم في تطوير المشهد الثقافي السعودي، وتعزيز حضوره على الساحة الدولية، وترسيخ مكانة المملكة كإحدى أهم محطات الفنون في العالم، من خلال الاستثمار في الطاقات الإبداعية وبناء جسور التواصل بين الثقافات.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII