خالد محمد الدوس
في عالم كرة القدم المعاصرة.. حيث تطغى الأرقام الفلكية، والإعلام الصاخب، والأحداث المثيرة.. تبرز أحيانا لافتات حضارية ومبادرات تضامنية.. تؤكد أن الرياضة تتجاوز المنافسة والتسلية والأهداف إلى تأثيرها الاجتماعي والإنساني.
نادي ليفربول الإنجليزي المخضرم الذي تأسس قبل 133 سنة وعلى وجه التحديد عام (1892) بشعاره الخالد ( you ll Never Walk Alone): (لن تمشي وحدك أبداً).. ليس مجرد نادٍ رياضي بل مجتمع صغير يعكس أسمى معاني التضامن والتكافل الاجتماعي مع كل من يخدم هذا النادي العريق بمنجزاته الكبيرة وتاريخه التليد بصرف النظر عن جنسية اللاعب الذي يمثله، ولعل المبادرة الإنسانية واللفتة الرائعة تجاه نجم الفريق البرتغالي الدولي (ديوغو جوتا) الذي رحل عن عالمنا إثر حادث تعرض له مع شقيقه وتوفي عن عمر 27 سنة.. تأكيدا على أن أرضية ليفربول خصبة للقيم الإنسانية الرياضية، رغم الفترة القصيرة التي قضاها المهاجم البرتغالي الراحل مع الفريق الإنجليزي! فالشعار التضامني (لن تمشي وحدك أبداً) الذي وضُع قبل أكثر من نصف قرن.. ظل شامخا وصامدا في وجه التحولات الرياضية والتغيرات الاقتصادية وارهاصاتها.. لأنه يشكل جزءا من (هوية) النادي المخضرم ليفربول.. وهذا الشعار ليس مجرد أغنية بل عهد وميثاق راسخ بالدعم في السراء والضراء لكل من يخدم مسيرة الفريق الإنجليزي النموذجي.
فبعد وفاة المهاجم الشاب (ديوغو جوتا) التي كانت صدمة هزت عالم المستديرة وخاصة عائلة الريدز.. رحيل شاب في ريعان شبابه قبل أن يبلغ ذروته الكروية أضفى على قصته المأساوية بُعداً تراجيدياً عميقاً فكان رد الفعل تجسيدا حّيا للشعار الوفائي الإنساني الاجتماعي (لن تمشي وحدك).. فقد توّحد ليفربول من الإدارة واللاعبين والعاملين بالنادي والجماهير في ارتداء قميص الحزن وتحولت (الأنفيلد) إلى بحر من الزهور والرسائل المؤثرة والمشاعر المعبرة ودموع اللاعبين وزملائه أثناء تشيع جنازته كانت صادقة ومؤلمة ورفع ليفربول لافته في الأنفيلد تكريما له حتى بعض الفرق شاركت في تكريمه وواصل النادي تقديم الدعم العاطفي والوجداني والمادي لعائلة النجم الراحل، فقد أعلن ليفربول عن استمرار دفع مستحقات (ديوغو جوتا) في السنتين المتبقيتين في عقده بالإضافة إلى إنشاء صندوق دعم وتأمين تعليم أطفاله إلى جانب تجميد الرقم 20 في النادي تخليدا له.. مما جّسد معنى (لن تمشي وحدك..).. في أقسى لحظات الحياة.
وبالتأكيد المهاجم الراحل جوتا لم يسجل عشرات الأهداف لليفر.! لكنه سجل مكانة خاصة في قلوب الجميع لما كان يتمتع به من انضباط عالٍ داخل وخارج النادي وسلوكه الرياضي الذي تميز به في مسيرته الكروية سواء مع منتخب بلاده أو مع النادي الإنجليزي المخضرم ليفربول وبالطبع هذه القصة المؤثرة بإحداثها الإنسانية ومعانيها التكافلية التي ستروى للأجيال.. تقدم درسا قويا أن (الرياضة الحقيقية) ليست مجرد انتصارات ومنجزات وألقاب وصفقات بملايين.. بل إنها ساحة تعكس قيما إنسانية، وتفّصل روابط عاطفية عميقة تتجاوز حدود الملعب والجنسية واللون واللغة والنوع.! وأن ليفربول بهويته وتاريخه العريق جّسد هذه الفلسفة بصدق في فترة وجيزة وأن الموقف العظيم مع (جوتا) يذكّرنا بأن أعظم الانتصارات هي تلك التي تلامس القلوب وتثبت بالفعل في السراء والضراء تحت شعار.. (لن تمشي وحدك أبداً).