د. إبراهيم بن جلال فضلون
بتفاصيل لم تقف إلا بهالات إعلامية صنعها اقتصاديو أمريكا والغرب، فمنذ تولي ترمب الرئاسة الأمريكية وجلوسه على كرسي البيت الأبيض، إلا وخالف كل قواعده وفق هواه كما هاجم أنصاره وحلفاءه ممن يقفون ضده، أمثال إيلون ماسك الذي أعلن تكوين حزب جديد يقهر المراهق الإداري والعجوز الاقتصادي صاحب «سوشيال تروث» ترمب، الذي أثارت قراراته المتناقضة وغير الجدية منذ التعريفات الجمركية حالة عدم اليقين بشأن السياسة الأمريكية وهيمنتها العالمية، لاسيما الاقتصادية منها والمالية مع ارتفاع ديون الولايات المتحدة، وهو ما أقر به «باول» بغياب اليقين وسط غموض اقتصادي وتذبذب جيوسياسي، أظهر مخاوف الأسواق مع ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، في مؤشر على قلق المستثمرين بشأن استدامة الديون التي تبلغ الآن أكثر من 36.2 تريليون دولار أمريكي وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، أي ما يعادل 120% من الناتج الاقتصادي السنوي، منها 29 تريليون دولار أمريكي كسندات تباع للمستثمرين، و9 تريليونات دولار للحكومات الأجنبية، بمقدمة يابانية وبريطانية وصينية اتجهت الأخيرة للذهب بعدما تخلصت من الديون الأمريكية منذ اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عام 2020 خلال ولاية ترمب الأولى.
وبالموازاة نرى ارتباك أقوى مؤسسة في الاقتصاد العالمي، وتحديد الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي الأسعار عند مستوى يتراوح بين 4.25 % و4.5 % إذ أقر رئيس الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه بأنهم لا يعرفون ما الذي سيحدث لاحقاً؟
هذه المخاوف أثرت أيضا على الدولار الذي فقد أكثر من 10 % خلال النصف الأول، مسجلًا أسوأ أداء له منذ عام 1970، ليحل الغموض بالأسواق حتى ترقب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 16-17 سبتمبر القادم، حيث لا يمكن تقييم التغيرات الحادة بسبب تأخر الفيدرالي في كبح ارتفاع محتمل في معدلات البطالة وسياسات الهجرة والمالية العامة، والحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، لتظهر بيئة مثالية للمقامرين الكبار، لكنها ليست كذلك للأسر الأمريكية وزيادة التضخم بنسبة تقارب 2.6% في مايو على أساس سنوي، هدد مهمة الفيدرالي وهو ما يُسبب حالة من الشلل بين صانعي السياسات، فيما يشبه على نحو غريب «الهدوء الذي يسبق العاصفة» سواء داخل الفيدرالي أو في الأسواق المالية، وبالتالي تشتري بقية دول العالم الديون الأمريكية رغبةً منها في الاحتفاظ بأصول قوية مقومة بالدولار الذي لعب اليورو والسندات الحكومية الأوروبية دور الدرع الواقي له، وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية عام 2011م.
قد تعود فكرة رفع الفائدة إلى الطاولة من جديد. وإذا تأخر الفيدرالي في الحد من الأضرار، فسيتمكن صانعو السياسات من التذرع بسياسة ترمب المفلسة إدارياً والمدمّرة ذاتياً، ليظل بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة بديلة تحميهم من التقلبات وتزايد حالة عدم اليقين.
لكن الأجمل وسط كل تلك التوترات أن الصناديق السيادية الخليجية وسعت من حضورها الاستثمارية في الأسواق العالمية، باستحواذها على 36% من إجمالي قيمة الصفقات المنفذة في الأشهر الستة الأولى من 2025، وذلك للنصف السابع على التوالي، مقابل 32 % خلال النصف الثاني من العام الماضي مع بروز صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) كواحد من أكثر الصناديق السيادية تحولا وابتكارا في المنطقة والعالم، مستفيدا من إستراتيجية طموحة تعكس رؤية السعودية 2030.