تغريد إبراهيم الطاسان
ثمّن مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأخيرة اعتماد مجلس حقوق الإنسان بالإجماع للقرار الذي قدمته المملكة لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي، مؤكدًا أن هذه الخطوة تجسد رؤية المملكة الطموحة في حماية الطفولة عالميًا.
وحين أعلن مجلس حقوق الإنسان اعتماده بالإجماع للقرار الذي قدمته المملكة العربية السعودية لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي، لم يكن ذلك مجرد انتصار دبلوماسي عابر، بل تأكيد جديد على أن المملكة - بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - تسابق الزمن لتأسيس معايير عالمية تنقل البشرية إلى آفاق أكثر أمانًا ووعيًا وعدلاً.
القرار الذي جاء انطلاقًا من المبادرة العالمية «حماية الطفل في الفضاء السيبراني» التي أطلقها سمو ولي العهد، يعكس الرؤية السعودية العميقة نحو المستقبل: رؤية تعتبر الإنسان هو جوهر التنمية، والطفل هو البذرة الأولى التي تُروى لتزهر المجتمعات قوة وازدهارًا.
لم يعد الفضاء الرقمي ترفًا أو هامشًا في حياة الأطفال، بل صار ركنًا رئيسيًا من تعليمهم، ترفيههم، علاقاتهم الاجتماعية، بل وتكوين شخصياتهم وهوياتهم الفكرية والنفسية. لذا، فإن مسؤولية حمايتهم لم تعد خيارًا بل واجب أخلاقي وقانوني عالمي.
يأتي القرار الدولي ليؤكد حضور المملكة كصوتٍ للعقل والحكمة والتوازن في قضايا العصر الأكثر إلحاحًا. فحين تتقدم السعودية بمثل هذا القرار، فإنها لا تحمي أطفالها وحدهم، بل تقدم للعالم أجمع خارطة طريق لبناء فضاء سيبراني أخلاقي وآمن ومنصف.
وهذه الخطوة تضاف إلى سجل المملكة المضيء في المبادرات الإنسانية والتنموية، بدءًا من مشاريع الأمن الغذائي والبيئي، مرورًا بالتنمية المستدامة ومواجهة الفقر، وصولًا إلى تأسيسها لحقبة جديدة من أمن الفضاء الرقمي.
لقد ظل الخطر الرقمي كامناً في التفاصيل الصغيرة: تطبيقات الألعاب المفتوحة، المنصات التعليمية غير المحمية، وسائل التواصل الاجتماعي بلا رقابة، والمحتوى الذي يتجاوز حدود الطفولة إلى عوالم لا يحتملها عقل طفل ولا روحه.
ولعل سمو ولي العهد حين أطلق هذه المبادرة كان يستشرف حجم التحدي الذي سيواجه البشرية إذا لم تؤسس أنظمة حماية وتشريعات صارمة، تحمي هذه الفئة من الانتهاكات الرقمية بكافة صورها، من التنمر والابتزاز والتغرير، إلى الاستغلال التجاري والجنسي والمعرفي.
وجاء قرار مجلس حقوق الإنسان بالإجماع، وهو المجلس الذي قلما يُجمع أعضاؤه دون تحفظات أو انقسامات، ليكشف حجم الثقة الدولية بالرؤية السعودية. ويجسد أن المملكة حين تتحدث عن الإصلاح والتنمية والإنسان، فإنها تفعل ذلك بأدوات حقيقية، ومشاريع واقعية، وشراكات دولية لا تعرف سوى لغة الإنجاز والتطبيق.
إن حماية الطفل الرقمي ليست مسألة تقنية بحتة، بل قضية تربوية، أخلاقية، نفسية، وقانونية أيضًا. هي حماية لمستقبل البشرية من عطب تربوي ومعرفي وأخلاقي قد ينتج أجيالًا مشوهة الوعي والقيم إذا تُركوا وحدهم في هذا الفضاء المفتوح.
هنا تتجلى عظمة رؤية ولي العهد، الذي يربط بين التحول الرقمي والتنمية الأخلاقية، ويؤكد أن أي تطور لا يصون الإنسان هو تطور ناقص.
المجتمع السعودي اليوم، وهو يحتفي بهذا الإنجاز، مطالب بأن يواكب هذه الخطوات بسياسات داخلية على مستوى الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والثقافية، لتنشئة الطفل الرقمي بشكل واعٍ ومتزن. علينا أن ندرك أن القرار الأممي هو مظلة حماية قانونية، لكن السقف الأخلاقي والتربوي يبدأ من بيوتنا. فالأب الذي يترك طفله بلا توجيه في الأجهزة الذكية، والأم التي تعطيه التابلت لتسكت صراخه، كلاهما يشاركان بشكل أو بآخر في المخاطر التي يتعرض لها. وهنا يأتي دور المجتمع في ترجمة هذه القرارات إلى وعي يومي وسلوكيات راقية في التربية الرقمية.
لقد قدمت المملكة اليوم درسًا جديدًا في القيادة العالمية الأخلاقية، حين ربطت أهدافها الوطنية بمصالح الإنسانية جمعاء.
وهذا القرار لا يحمي الأطفال فحسب، بل يؤسس لعالم أكثر رحمة وإنصافًا وعدلًا. عالم يبدأ من شاشة صغيرة بين يدي طفل صغير، لكنه يفتح نافذة كبيرة نحو قيم ومبادئ تصنع الغد المشرق بإذن الله.