م. بدر بن ناصر الحمدان
ثمة مصطلحات في ترميم التراث العمراني مثل سياسة (أقل مستوى من التدخل) وهو نهج يهدف إلى تقليل التعديلات على العنصر التاريخي للحفاظ على أصالته، أو مصطلح (تثبيت التدهور) ويعني إيقاف التدهور دون استعادة الشكل الأصلي، وكذلك مصطلح (صون الأطلال) بما يعني الحفاظ على البقايا كما هي دون ترميم يعيدها للحالة الأصلية.
هذه المصطلحات هي عبارة عن مدارس محافظة جداً في عمليات الترميم المستخدمة في حقل التراث العمراني وتذهب إلى ما يُسمى بـ(حبس ذاكرة المبنى) وتعبر عن المحافظة على تدعيم وصون المبنى بحالته الراهنة دون أي تدخل، وهي أشبه بوصفها عملية تشميع للفترة الزمنية التي وجد عليها المبنى من أجل إبراز رمزيته المكانية وإظهار التفاصيل المعمارية والإنشائية الدقيقة ومفرداتها في حالته الراهنة كمقطع توثيق حيّ لمواد وتقنيات البناء المستخدمة، بمعنى الإبقاء على ما تبقى من المبنى كالأطلال أو الهياكل المتداعية كما هي دون ترميم أو إعادة بنائه بما قد يُخفي تاريخه وصورته الذهنية التي وجد عليها، وتعرف بما يُسمى بالتجميد المقصود للذاكرة المعمارية.
هذه الممارسة تماثل فلسفة التحنيط المعماري كونها لا تُعيد إنتاج المبنى بهيئة الأصلية بل تُبقي عليه بكل مكوناته وحالته المندثرة بهدف جعله مكان مفتوح للتوثيق والتأمل وتجربة استرجاع الذاكرة لمرتادي المكان، حيث يرى كثير من المتخصصين وخبراء التراث العمراني أن هذا المستوى من التدخل يمثِّل أعلى درجات الصون والمحافظة على أصالة المبنى، على الرغم أن هذه المدرسة تلقى نقداً موضوعياً من مسيري المدن يكمن في أن عدم إعادة توظيف استخدام المبنى أو المكان بما يتجاوز كونه معلماً للمشاهدة فقط قد يحد من العائد الاقتصادي للأصل أو عدم الاستفادة منه كمرفق باعتباره تحول إلى مجرد متحف مفتوح، لكن الرسالة التي قد تصل من خلال هذه المدرسة العريقة في الترميم أنه في عملية الترميم ثمة مبدأ في احترام قيمة الأصل التراثي تقول (لا يجب أن يعود كل مبنى إلى ما كان عليه).