بدر الروقي
قـلَّة - قليلة - أولئك الذين يقبلون النصيحة، ويفتحون لها قلوبهم، ويحاولون البحثَ عن مكانها ويفتشون عن قيمتها وجوهرها. وفي المقابل ما أكثر من دفعتهم النصيحة على الكره، وحملتهم على النفور والصد! بل ورفضها بكافة أشكالها ومضامينها.
فما أسباب هذا الرفض، وما هي بواعثه؟
إذا ما علمنا علم اليقين أنَّ هذا الإشكال متجذِّرٌ في بني البشر منذ بدء الخلق.
وما نداءات الأنبياء لأقوامهم والتي تكررت في القرآن بقولهم: {..لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } (79) سورة الأعراف، إلاَّ دليلٌ على ما يجده الناصح، وتلقاه النصيحة من جفوة وقطيعة.
الكثيرُ من الدراسات النفسية تؤكد أن أغلب الناس لا يُفضلون سماع الملاحظات من الآخرين.
ويذهب العالم النفسي روبرت ناش إلى ما هو أبعد فيقول: «إنَّ أدمغتنا تلجأ لأساليب عديدة وبارعة لتفادي - سماع - نصائح وملاحظات الآخرين.
ولذلك يلاحظ الآباء تذمر بعض الأبناء أثناء تقديم النصيحة إليهم؛ ؛ بحجة أنهم لم يعودوا صغارا، وأنهم باتوا أكثر وعياً ومعرفةً بمصلحتهم.
ونجد أنَّ الكثير من الممارسين في نظام التعليم يُصدمون من ردَّة فعل بعض الطلاب عند توجيه نصائح لهم تتعلق بواجباتهم المدرسية، أو تخص سلوكياتهم داخل المدرسة ؛ حيث لا يُلقون لها بالاً في الغالب.
وفي مجال الصحة العامة نلاحظ أن من الناس من يتفادى زيارة الطبيب؛ لئلا يسمعوا نصائح تتعلق بصحتهم العامة مما قد يشعرهم بالحرج أو عدم الرضا.
فهل لهذه العوامل النفسية دور في الاكتفاء الذاتي لدى الهاربين -إن جاز التعبير- عن النصيحة؟ أم بات من الضرورة علينا أن نخلقَ لهم مساحة من العذر في عدم إذعانهم للنصح والتوجيه؛ بحجة أنهم يرون أن النصيحة لها وقتها الذي تطلب فيه، ومكانها وأهلها الذين تؤخذ منهم، وفي زمانها الذي يحتاجونها فيها.
إذن فنحن -هنا- نخالف لغة العقل والمنطق، وكلام ذوي الرأي والحكمة في نظرتهم تجاه النصيحة. فهذا مثلاً أفلاطون الفيلسوف اليوناني يقول:
«من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلّفه شيئاً فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى ثمن».
ويقول أحد الحكماء: قد لا يكون الشخص الذي يعطيك النصيحة كاملاً، ولكنه يمنحك الشيء الذي ينقصك.
وجورج برنارد شو الحكيم الايرلندي يقول:
«قد تأتيك النصيحة النافعة على لسان مجنون».
والعرب تقول في المثل المشهور:
« كانت النصيحة بجمل» وذلك لما تحمله من أهمية وتتضمنه من فوائد ودروس؛ يجعل الرجل العربي يضحَّي لأجلها بجمله الذي هو أغلى ما يملك.
ولعلنا نختم مقالنا في جزئه الأول برائعة طرفة بن العبد في هذا الشأن:
وإنْ ناصحٌ منكَ يوماً دنَا
فلا تنأَ عنه ولا تُقْصهِ
وإنْ بابُ أمرٍ عليكَ التَوَى
فشاوِرْ لبيباً ولا تعصهِ
وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقَّهُ
فَإِنَّ القَطيعَةَ في نَقصِهِ