د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعد منظمة أوبك مزودا للمعلومات حول سوق النفط الدولي، وليس فقط مسؤولة عن تنسيق السياسات البترولية للدول الأعضاء وتحديد أفضل الطرق لحماية مصالحها الفردية والجماعية، وإيجاد السبل والوسائل الكفيلة باستقرار الأسعار في أسواق البترول العالمية بهدف الحد من التقلبات السلبية وغير الضرورية بما يعود النفع على المنتجين والمستهلكين في آن واحد، حتى أصبح الاقتصاديون يستشهدون بمنظمة أوبك مثالا نموذجيا عن اتفاق تعاون لتقليل المنافسة في السوق ومنصة عالمية مسؤولة تسعى باستمرار للحفاظ على الاستقرار في أسواق النفط.
عوضا عن الأخوات السبع في منتصف القرن الماضي التي كانت تحتكر إنتاج وتصدير النفط لتحقيق مصالحها، وكان هدف تلك الأخوات تقاسم السيطرة فيما بينهم على النفط العالمي، وعدم ترك الأمر لقوى السوق، كان الغرض منه السيطرة على العالم من خلال السيطرة على النفط، سميت بمؤامرة اتفاق أشناكاري باسم الأخوات السبع (إيسو، رويال داتش شل، بي بي، موبيل، شيفرون، جولف أويل، نكاسكو) لم يكن هذا الاتفاق قانونيا، ولا تعرف حكومات الشركات الثلاث حتى الخمسينيات أي بعد ما يزيد على 20 عاما من انعقاد هذه المؤامرة بين كبار منتجي النفط عام 1928 في قلعة على المرتفعات الاسكتلندية بين إكسون، بي بي، رويال داتش شل.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت مؤامرة الثلاثة مؤامرة السبعة، كانوا أعداء التأميم وشركات النفط الناشئة، وأوبك عندما تأسست 1960التي شكلت تهديدا كبيرا لهيمنة الأخوات السبع على سوق النفط، خصوصا بعد تراجع الاحتياطيات العالمية، وتركزها في أوبك بأكثر من 80 في المائة عندها تقلصت هيمنة الأخوات السبع على الإنتاج العالمي من 90 في المائة إلى 10 في المائة حاليا، مع تراجع حجم احتياطياتها من الخام إلى أقل من 3 في المائة ، ولم يبق على قيد الحياة من الأخوات السبع عام 2017 سوى بي بي، إكسون موبيل، رويال داتش شل، شيفرون، فيما أشارت فاينانشيال تايمز إلى ظهور مجموعة الأخوات السبع الجديدة، أرامكو السعودية، غاز بروم الروسية، مؤسسة البترول الصينية، الشركة الوطنية الإيرانية، بترول دي فنزويلا، بتروبراس البرازيلية، بتروناس الماليزية، ولكنها شركات وطنية وليس بينها اتفاق غير معلن لتحقيق أطماع تتجاوز حدود أوطانها.
تثبت أوبك بلس بقيادة السعودية صحة توقعاتها وقوة ومتانة أساسيات السوق النفطية، عندما استطاعت الأسواق امتصاص الزيادة التي أقرتها أوبك بلس بنحو 548 ألف برميل يوميا لشهر يوليو 2025، بأن ارتفعت الأسعار عند مستويات 70 دولارا للبرميل، وسترفع زيادة في سبتمبر إجمالي الزيادات التي أقرتها أوبك بلس منذ أبريل 2025 إلى 2.47 مليون برميل يوميا، وهي نسبة أقل من 2.5 في المائة من إجمالي الطلب العالمي، وتشير البيانات إلى أن أوبك بلس رفعت الإنتاج بـ1.37 مليون برميل بين أبريل ويوليو ما يمثل 62 في المائة من الخفض الجاري التراجع عنه، وتتوقع شركة أرامكو أن يستوعب السوق هذا العام 1.3 مليون برميل يوميا.
تخالف السيناريوهات الخيالية التي سادت في السنوات الماضية بسبب أنها كانت تدعو إلى تحول شامل نحو الطاقة النظيفة دون أن تستثني 1.2 مليار إنسان يعاني من فقر الطاقة وفق إحصاءات الأمم المتحدة، فيما يشكك وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في هذا الرقم الصادر عن الأمم المتحدة، ويعتقد أنه ضعف أو ثلاثة أضعاف هذا الرقم، وعلى الأقل هناك مليارا إنسان يعاني من فقر الطاقة، ويستخدم الطاقة التقليدية خصوصا في الطهي، ولم تكن هذه الأرقام عبثية بل هي أرقام ناتجة عن فريق سعودي شاب لدى السعودية معني بهذه المسألة يعمل بجد في كل زاوية في إفريقيا وفي كل زاوية في جنوب شرق آسيا، لجمع المعلومات والبرامج، والتعامل مع الحكومات لمعالجة هذه القضية، بغض النظر عن مصدر المعلومات، وما تحتاجه السعودية هو التعاون بصرف النظر عن الجهة أو المنظمة.
وأكد أن هذه السيناريوهات خيالية لكنها كانت السردية السائدة في تلك الفترة إلا صوتا واحدا وهو السعودية التي تجرأت وأعلنت أن هذه السيناريوهات كلها غير واقعية، ويمكن دخول العالم في أزمة طاقة.
وذكر وزير الطاقة السعودي الجميع في ندوة أقيمت في فيينا في الندوة الدولية التاسعة لمنظمة أوبك في 10 يوليو 2025 أنه في يونيو 2021 عندما كان يتحدث عن سيناريو الحياد الصفري، والتحول نحو الطاقة النظيفة، طرح في وقتها مبادرة السعودية نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وهي مبادرة طرحتها السعودية عندما قادت مجموعة العشرين في 2020، (كان لي الشرف بإلقاء نهج الاقتصاد الدائري للكربون في مؤتمر صناعي بطنجة بالمغرب بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في شرم الشيخ في نوفمبر 2022)، لكن العالم لم يصغ للمبادرة السعودية، وكعادته ينظر بشك للمبادرات السعودية حول الطاقة، ويسلك طريق الأحلام، بل تلقت السعودية كثيرا من الانتقادات لرؤيتها ولمبادرتها، لكنها اليوم الجميع يؤمن بها ويصدقها، وقدم وزير الطاقة السعودية درسا للحاضرين في ندوة فيينا أن الجميع يفتخر بآرائه، لكن يجب عليهم ألا يكونوا منحازين ضد أراء الآخرين، وهو درس سعودي مهم يمكن استخلاصه العالم وهو ما جعلها مقرا ومرجعا لاتخاذ قرارات عالمية مهمة.
بسبب أن الرؤية السعودية رؤية واقعية تنطلق من مكانتها الدينية والسياسية، وبحكم إدارتها لهذا القطاع المهم، فإن لديها عاملين في كل مكان في إفريقيا وآسيا لجمع المعلومات الدقيقة، باعتبار أن السعودية تدير هذا الملف العالمي من الجانب الحقوقي والإنساني، وترفض النظرة الضيقة أو نظرة السوق عند التعامل مع الإنسان، بل تجعله أولوية في حساباتها، هذا هو الفرق بينها وبين الآخرين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الضيقة، يقودها دائما للنجاح وصحة توقعاتها، نجد روسيا أكبر منتج من خارج أوبك تؤكد الأخذ برؤية السعودية في إدارتها هذا الملف، التي ترى أن أي تحول في الطاقة لا يسهم في خفض معدلات الفقر أو تحسين الوصول إلى الطاقة في الدول النامية سيفشل، وأن السعودية لطالما كانت ثابتة، ليس في رسائلها فقط، بل في تنفيذ السياسات وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً