كوثر الأربش
شهدتْ المملكة العربية السعودية خلال العقود الماضية تحولات جذرية في مختلف القطاعات، من أبرزها قطاع العقار الذي يعد من الركائز الحيوية في الاقتصاد الوطني. ومن بين التطورات اللافتة، برز موضوع تملك غير السعوديين للعقارات كأحد محاور الجذب الاستثماري. النظام ليس وليد اللحظة، بل مرَّ بمراحل تطور. ففي الماضي، كان تملّك الأجانب في السعودية محدودًا جدًا، ومحكومًا بشروط مشددة. لم يكن يُسمح لغير السعوديين بتملُّك العقارات إلا في حالات ضيِّقة، مثل الاستثمارات الأجنبية الكبرى المرخَّصة، أو لحجاج ومعتمرين في بعض المناطق بعد موافقة الجهات العليا.
ولكن في السنوات الأخيرة، ومع رؤية المملكة 2030، بدأت السعودية تفتح الباب تدريجيًا لتملُّك الأجانب للعقار، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والمدينة ومكة ونيوم. وتم طرح مشروع أنظمة جديدة تنظِّم ذلك بشكل أكثر وضوحًا وبالأخص عندما وافق مجلس الوزراء على النظام المحدث لتملُّك العقار لغير السعوديين، والذي يسمح بتملُّك العقارات السكنية والتجارية والصناعية وفق ضوابط محددة، شريطة وجود كيان قانوني أو فرد لديه إقامة نظامية أو استثمار معتمد. مما سيعود بالفوائد الاقتصادية والسياحية للمملكة.
فسنلاحظ في السنوات المقبلة ارتفاع شهية المستثمرين الأجانب لضخ أموالهم في السوق العقاري السعودي، خاصة في مشاريع الإسكان الفاخر والضيافة والمراكز التجارية.
وأيضًا زيادة الطلب العقاري يعني تحريك عجلة البناء والتطوير العقاري، وهذا يصب في مصلحة شركات المقاولات والمهندسين والموردين المحليين.
كما أنه سيكون سبباً مباشرًا في تنشيط السوق العقاري، فدخول شريحة جديدة من المشترين يؤدي إلى تنوع في الطلب، وتحقيق توازن بين العرض والطلب، ويقلِّل من تقلّبات السوق.
بالإضافة إلى رفع جودة المنتجات العقارية. فالمستثمر الأجنبي عادة يبحث عن جودة ومعايير عالمية، ما يدفع المطورين العقاريين لرفع مستوى تنفيذ المشاريع.
أما الأثر على السياحة والسكان، فسيؤدي لتشجيع السياحة طويلة المدى.
كثير من الزوار، خصوصًا من دول الخليج أو الدول الإسلامية، قد يفكرون في شراء وحدات سكنية لقضاء الإجازات أو موسم العمرة والحج، ما يربطهم بالمملكة بشكل دائم.
وسيسهم في زيادة نسبة المقيمين الدائمين، وذلك من خلال تسهيل التملُّك يشجع بعض الكفاءات العالمية على الاستقرار في المملكة، ما يعزِّز من التنوّع السكاني والثقافي، ويرفع من مستوى الخدمات والحراك الاقتصادي.
إن السماح للأجانب بتملُّك عقارات يسهم في تحول مدن كبرى مثل الرياض وجدة إلى مدن عالمية تستوعب أنماط حياة وثقافات متعددة، ما يتماشى مع الطموح السعودي لجذب السياحة الدولية.
ويجعل المملكة بيئة جاذبة للأعمال والعيش، ويدعم مكانتها في الشرق الأوسط كمركز استثماري إقليمي.
ولا ننسى أنه سيؤدي لتنويع مصادر الدخل الحكومي، من خلال رسوم تسجيل العقارات، والضرائب المحتملة على العقارات غير المستغلة أو المهجورة، والدخل الناتج من تداول العقار بين غير المواطنين.
كما أن تنويع قاعدة التملُّك سيخفف من احتكار العقار في أيدي فئات محددة داخل المجتمع، ويعزِّز العدالة السوقية.
تملُّك غير السعوديين للعقار في السعودية ليس نظامًا جديدًا بالكامل، بل هو نتيجة لتطوير إستراتيجي للأنظمة القديمة، ضمن مساعي المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030. وقد أثبت أنه خيار ذكي وواعد من حيث تحفيز الاقتصاد، وتنشيط السياحة، ورفع جودة الحياة. وبينما يستمر تطوير الأنظمة وتحديد الضوابط المناسبة، يتوقّع أن يلعب هذا المسار دورًا محوريًا في مستقبل السعودية كوجهة عالمية للاستثمار.