فضل بن سعد البوعينين
ما زالت سياسات التحول في قطاع الطاقة تُواجَه بانتقادات من قبل الدول المنتجة للنفط والغاز، وخبراء الطاقة المحايدين، والاقتصاديين. فالسياسات غير الواقعية يمكن أن تصنف ضمن السياسات الحالمة، لا العملية التي تستهدف طرح المبادرات المحققة للأهداف الإستراتيجية، ومعالجة التحديات، وتحفيز الإبتكارات الموثوقة.
التطرف في التعامل مع ملف «التغير المناخي»، والتسرع في تنفيذ سياسات تحول الطاقة والحياد الصفري، يقود العالم نحو الهاوية، ويدفع الاقتصاد العالمي والدول محدودة الموارد والشعوب الفقيرة إلى المجهول. أمن الطاقة، هي القاعدة التي يجب أن تبنى عليها سياسات التحول، بتوازن وشمولية، وتحوط تام يأخذ في الحسبان نمو الطلب على الطاقة، وأهمية توفر مزيج واسع من مصادر الطاقة، للحد من الأزمات.
وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، حذر العام 2021 من سيناريوهات الحياد الصفري، وما تضمنه من توقعات التراجع الحاد في استخدام النفط والغاز، وأن الاستمرار في ذلك المسار غير الواقعي يدفع العالم، وبغفلة، نحو أزمة الطاقة، ومع عدم القناعة بسيناريوهات الحياد الصفري مضت المملكة قدما في مشروعات الطاقة البديلة، وفق إستراتيجية محددة لتوفير مزيج الطاقة، والتحول التدريجي نحو الطاقة البديلة وبما يضمن الإستدامة والكفاءة ويحقق المصلحة الاقتصادية.
تؤمن المملكة بأهمية الحفاظ على البيئة، وبجوهر الحياد الصفري، وأهمية الحد من الإنبعاثات الضارة، غير أنها تؤمن أيضا بأهمية النفط والغاز للاقتصاد العالمي وللدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، وضرورة تحقيق أمن الطاقة، واستدامتها، وتوفرها بأسعار معقولة للجميع.
وخلال الندوة الدولية التاسعة لمنظمة أوبك، شدد الأمير عبدالعزيز بن سلمان في كلمته على أهمية الوعي التام بمسألة تحول الطاقة، في خضم التحديات المختلفة، فالعالم في أمس الحاجة إلى مزيج واسع من مصادر الطاقة، حيث سيبقى النفط والغاز عنصرين رئيسين من مزيج الطاقة المستقبلي.
تحدث وزير الطاقة السعودي بشفافية عن الاستدامة، وضرورة النظر في الأبعاد الاقتصادية والتجارية. وهذه حقيقة يغفل عنها المنظرون الذين يركزون على هدف التحول، بمعزلٍ عن الأبعاد، والتحديات، والتداعيات الواجب استحضارها قبل فرض السياسات، لضمان المخرجات الإيجابية، والحد من السلبيات.
يؤمن الأمير عبدالعزيز بن سلمان بأهمية البيانات الدقيقة لمعرفة الواقع، والتنبؤ باحتياجات المستقبل، وأحسب أن لديه، وفريق عمله، القدرة على جمع البيانات بدقة تتجاوز دقة بعض المؤسسات الدولية بمراحل، يؤكد ذلك دقة توقعاته في شأن مستقبل الطاقة، وحجم النمو المتوقع، والاقتصاد العالمي، في مقابل خطأ توقعات بعض المؤسسات الدولية للطلب المتوقع على النفط والغاز، وعدد من يواجهون تحدي فقر الطاقة، وقدرة مصادر الطاقة البديلة على تلبية الطلب العالمي، وإغفال المخاطر المتوقعة لسياسات التحول السريع، وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي من جهة، والدول محدودة الموارد والفقيرة من جهة أخرى.
اختلاف الظروف الاقتصادية لدول العالم، يفرض على المشرعين، ومتبني السياسات الجديدة في قطاع الطاقة، النظر بواقعية لمخرجات سياساتهم المتسرعة، والتي قد تقود العالم إلى أزمة طاقة، وفجوة في الإمدادات لا يمكن معالجتها بسهولة، وأضرار فادحة للاقتصاد العالمي. كما أنها تفرض التعامل مع الواقع بحيادية وأمانة تامة، وتجرد من المصالح الخاصة، ومحاولة تسييس ملف الطاقة، الذي بات أكثر انكشافا مع أول اختبار حقيقي لغاياته الرئيسة.
فأزمة الطاقة التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، للتوسع في استخدام الفحم من أجل ضمان أمن الطاقة، عقب انقطاع إمدادات الغاز الروسية، في تناقض مخيف للقناعات، وسقوط حُر لإلتزامات إحدى الدول الرائدة في التخلص من مصادر الطاقة الأحفورية، والحد من انبعاثات الكربون.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، تغيرت السياسات المرتبطة باتفاق باريس، والعدائية المباشرة تجاه النفط، بمجرد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض. بل سارع ترامب لسحب تعهدات الدعم لمنظومة المركبات الكهربائية التي أعطاها إيلون ماسك خلال حملته الانتخابية.
التعامل مع المصدر الرئيس للطاقة العالمي وفق رؤية سياسية أو إنتخابية أو غير عقلانية ومتسرعة وبعيدة عن الواقع ومصلحة الاقتصاد العالمي ومصالح الدول المنتجة والمستهلكة، أمر غاية في الخطورة، ويهدد العالم أجمع، بما فيه الدول المتزعمة لسياسات الحياد الصفري والتحول في القطاع.
التعاون والتكامل الذي أشار لهما وزير الطاقة السعودي، هو ما يحتاجه العالم، بالإضافة إلى العقلانية والتبصر في واقع الحال ومآلات الأمور وبما يضمن سلامة سياسات تحول الطاقة، والدول المنتجة والمستهلكة، والإقتصاد العالمي.
النمو المستدام في الطلب على النفط يتطلب مزيدا من الإستثمارات النوعية في قطاع الإنتاج، في الوقت الذي تحد فيه السياسات المتسرعة، والتشريعات المتحيزة ضد مصادر الطاقة الأحفورية، وعدم اليقين بسياسات التحول، من ضخ مزيد من الإستثمارات في قطاع الإنتاج والتكرير، ما قد يتسبب مستقبلا في نشوء أزمة طاقة عالمية لا يمكن الخروج منها بسهولة.