د. سطام بن عبدالله آل سعد
في كلّ يوم جمعة، تمتلئ مساجد المملكة بالمصلّين من كلّ فجٍّ عميق، ومن مختلف الجنسيات واللغات، يحملون أرواحًا عطشى للهداية والتزكية. لكن، كم منهم - خصوصًا غير الناطقين بالعربية - يفهم مضمون الخطبة؟ كم استوعب الرسائل التي أراد الإمام إيصالها؟ كم خرج بسلوكٍ جديد أو وعيٍ أعمق؟ المؤسف أن الإجابة: القليل.
يشهد الواقع أن ملايين من العمالة المسلمة غير العربية، التي تمثّل شريحة كبرى من المقيمين، يُصلّون معنا ويستمعون إلينا، لكن لا يفهموننا. يحضرون خطب الجمعة بانتظام، بقلوب خاشعة، لكن حاجز اللغة يمنع أرواحهم من التقاط معاني الخطبة.
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى: منبر الجمعة، أداة التوجيه والتربية والتشكيل القيمي، يتحوّل في كثير من الجوامع إلى صوت لا يُترجم، ونور لا يُبصر. فرصةٌ ضائعة لإحداث تغيير إيجابي في سلوك هذه الفئة، وتعزيز انتمائها، وبثّ قيم الإسلام الوسطي، وتنمية شعورها بالمسؤولية تجاه النظام والمجتمع والبيئة.
لذلك، يعد مقترح الترجمة الفورية أو المكتوبة لخطب الجمعة بلغات العمالة الشائعة (كالأوردو، البنغالية، التاغالوغ، الإندونيسية...) ضرورة دينية ووطنية وتنموية، وتجسيد لمقاصد البلاغ والتبليغ والرحمة والعدل.
ويحمل هذا المقترح أبعادًا اقتصادية واجتماعية مهمة؛ إذ إن فهم العامل للخطبة بلغته يزيد وعيه بالأنظمة والتعليمات، ما ينعكس على سلوكه والتزامه، ويقلّل من المخالفات الناتجة عن الجهل أو غياب التوجيه. فكلما ارتفع الوعي، زادت الإنتاجية، وتراجعت التكاليف في مجالات مثل الأمن الصناعي والمجتمعي، والسلامة المرورية، والمحافظة على البيئة، وكذلك الحفاظ على الموارد الاقتصادية.
الخطبة المفهومة تعني عاملًا أكثر احترامًا للنظام والقيم، كالانضباط، والنظافة، وحسن الجوار، والتعاون. وحين يسمع العامل بلغته توجيهات عن البيئة، والممتلكات العامة، واحترام الإنسان والحيوان، تصله كرسالة إيمانية تُلامس وجدانه، لا كتعليمات فوقية. فالإسلام لا يتجزأ، وربط السلوك البيئي بالقيم الدينية بلغة مفهومة يرسّخ وعيًا نابعًا من الإيمان، لا من الخوف.
لذا، فالاعتماد على الترجمة الفورية المعزّزة بالذكاء الاصطناعي سيعزز الدمج الثقافي والسلوكي، وتنقل رسالة الإسلام بشكل عملي. ولتحقيق ذلك، يُقترح تركيب نظام ذكي في الجوامع ذات الكثافة العمّالية، يوفّر:
* بثًّا فوريًا لترجمة الخطبة بعدة لغات.
* عرض النصّ المكتوب على شاشات جانبية.
* دعم سماعات أذن لاسلكية متصلة بتطبيق على الجوال.
إنّ المطلوب ليس تبديل لغة الخطبة، بل إيصال معناها لمن لا يفهمها. فالدين الذي أُنزل على «خاتم النبيين» للعالمين، لا ينبغي أن يُحجب خلف حواجز اللغة، خاصة لمن جاءوا طلبًا للرزق... وقد يجدون في الجمعة لقمة هداية.
وإذا أردنا مجتمعًا أكثر أمنًا، بيئة أنقى، اقتصادًا أكثر استدامة، وسلوكًا أكثر التزامًا، فعلينا أن نبدأ من المنبر؛ حيث الكلمة تبني الوعي، وتوجّه السلوك، وتُسهم في تنمية تتجاوز المال لتلامس الروح والعقل.
** **
- مستشار التنمية المستدامة