خالد بن عبدالرحمن الذييب
يروى عن عروة بن الزبير أنه أصابه مرض أدى إلى قطع أحد أطرافه، وتوفي أعز أبنائه السبعة، فقال: اللهم لك الحمد، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، أعطاني سبعة أبناء وأخذ واحداً، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً.
وفي قصة أخرى أنه رأى رجلاً مهشّم الوجه أعمى البصر، فسأله عروة عن حالة، فقص له قصته بأنه بات ليلة وما كان أحد أكثر منه مالاً وعيالاً، فأتى السيل فأخذ عياله وماله وحلاله، ولم يبق إلا طفل صغير، وبعير وحيد هرب منه فلحق به، وحينما ابتعد قليلاً سمع صراخ ابنه فالتفت إليه وإذ بذئب يريد افتراسه فعاد وقد فات الأوان، فأراد أن يلحق البعير وما إن اقترب منه حتى رفسه فهشّم وجهه وأعمى بصره، فقال عروة: وماذا قلت بعد ذلك؟ قال: اللهم لك الحمد تركت لي قلباً عامراً ولسان ذاكراً.
هناك خطاب عام دعوي كان أو إعلامي، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليشعرك بنعمة الله لا بد أن يذكرك بمآسي الغير، «إحمد ربك أنت في بيتك وغيرك مشرد، أنت تمشي على قدميك وغيرك على عربية، أنت في صحتك وغيرك في المستشفى»، وهكذا، والغريب أن هذه الحيلة تجد لها رواجاً وآذانا صاغية عند الكثير، وكأن سعادتنا لا تكتمل إلا بمآسي الآخرين، وكأننا لا نشعر بالنعمة إلا إذا حُرِمَ منها غيرنا. وكل هذا من باب من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، وكأنه من المفروض أن أرى مصيبة غيري وأبحث عن مأساتهم حتى تهون عليّ مصيبتي.
لماذا نربط سعادتنا بذكر مآسي الآخرين؟، لماذا لا نشكر الله فقط لأنه يستحق الشكر بصرف النظر عن حالة غيرنا، بل حتى غيرنا الذين نضرب بهم المثل، لو فكروا قليلاً لوجدوا أن لديهم نِعم لم يشعروا بها، ولكن الربط بالآخرين هو سبب تعاسة الجميع.
نلاحظ من القصتين أعلاه أن الرجلين لم يذكرا مآسي غيرهما ليشكرا الله على نعمه، ولكن شكرا الله على ما أبقى لهما من نِعم، فإن أُخِذَ منك شيء فقد ترك الله لك أشياء.
أخيراً..
سعادتك وتخفيف أحزانك بذكر ما أنعم الله به عليك، لا بما أُخِذَ من غيرك.
ما بعد أخيراً..
اشكر الله على ما أنت فيه من نعمة، دون أن تربط سعادتك بأحزان الآخرين، ولا تراقب غيرك، فمن راقب الناس.. مات هماً.