د. محمد بن إبراهيم الملحم
في الأسبوعين الماضيين نشر أحد المحامين صورة لحكم قضائي صدر لصالح إحدى الطالبات التي تقدمت إلى المحكمة بطلب إعادة النظر في القرار الإداري الصادر حول درجتها في اختبار قدرات، والتي كانت عالية جدا 97 % حيث طلب منها المركز إعادة الاختبار حسب المعتاد في مثل هذه الحالات، حيث كانت درجة الطالبة هذه هي درجة المحاولة الثالثة بعد محاولتين حصلت في الأولى على 73 % وفي الثانية على 68 %، وهذا الاختلاف أو الفرق الكبير جداً بين المحاولات الأولى والمحاولة الأخيرة بالإضافة إلى أن المحاولة الأخيرة كانت درجتها عالية جداً تشكك في مصداقية الدرجة الأخيرة، وفي مثل هذا فإن المركز اعتاد أن يحجب الدرجة ويطلب من الطالب أو الطالبة إعادة الاختبار، وهذه الطالبة أعادت الاختبار فعلا وحصلت على 93 % لكنها لم تكن راضية عن هذه الدرجة وتطمح في أن تستخدم درجتها العالية الأخرى المحجوبة التي هي 97 %، ولذلك تقدمت إلى المحكمة بطلب إلغاء قرار الحجب وقد نظرت المحكمة في القضية نظرة عادلة كما أتصور حيث حكم القاضي لصالحها استنادا إلى كونها حققت في اختبار الإعادة درجة عالية التي هي 93 % ولم تحقق درجة منخفضة، ورأى القاضي أن هذا الأمر لا يعطي مبررا لمركز قياس للاستمرار في قرار الحجب كما أن الحكم وضح أن القاضي لم يقبل إجراء المركز التحوطي بأن يوقع الطالب الإقرار بأنه يوافق على أي قرار يتخذه المركز حتى لو كان «طلب إعادة الاختبار»؛ فهو يرى أن هذا الإقرار لا يملك الطالب وسيلة أخرى غير التوقيع عليه، ولهذا لم يعتد القاضي بهذا الإقرار.
هذا الحكم صنع شيئا من النقاش حول مثل هذه القرارات والتي أعتقد أنها ليست خطأ محضا فمن حق المركز أن يتخذ احتياطات ضد احتمالات الغش وهو ما تفعله أيضا المؤسسات المماثلة في العالم، أقصد تلك التي تدير اختبارات SAT في الولايات المتحدة الأمريكية أو التي تدير اختبار GCSE في بريطانيا ، حيث عندما يكون الفرق عالياً جداً قريباً من أو متجاوزاً 30 % من الدرجة الأولى فإن هذا محل شك يستدعي أن يتم التحقيق في إجراءات الاختبار، والتأكد من عدم وجود أي خلل وربما إذا وجد التحقيق بعض الخلل فقد يطلب من بعض الطلاب إعادة الاختبار، وفي بعض الجهات فإنهم يخيرون الطالب بين إعادة اختبار أو تقديم براهين وأدلة أخرى على جودته الأكاديمية وربما يوقع على نماذج إقرارات معينة وتستمر الدرجة العالية.
لقد وضحت الدراسات العلمية مثل دراسة Roszkowski الجزيرة Spreat (2016) وكذلك College Board Statistical Reports أن تدرب الطالب على الاختبار قد يرفع درجته بنسبة تصل إلى 20 % من الدرجة الأولى، ولكن هذه الدراسات عملت على طلاب كان تقديمهم في المحاولة الأولى تقديماً جاداً وليس مثل ما يفعله بعض طلابنا اليوم أنه يذهب إلى المحاولة الأولى دون أي استعداد، وإنما فقط يستخدم هذه المحاولة للتعرف على الاختبار بدلا من أن يدخل دورة تدريبية أو حتى يطلع على فيديو YouTube تعريفي في الإنترنت، وهذا النوع من الكسل والتكاسل إذا حدث من طالب قدراته الأكاديمية منخفضة أصلا فإنه لا يتوقع منه أن يحقق في المحاولة الثانية درجة تتسبب في فرق كبير جدا، فإذا حقق مثلا درجة في الستينات في المحاولة الأولى فإنه في المحاولة الثانية قد يحقق درجة في نهاية السبعينات، وهنا الفرق لن يكون أكثر من 20 %، ولكن نفس التصرف إن حدث من طالب متفوق، أو حتى غير متفوق لكنه يحمل درجة ذكاء عالية، فإنه إن حقق في المحاولة الأولى درجة في الستينات فإذا اجتهد وذاكر وفهم فكرة الاختبار وأفكاره الرئيسية وبعض استراتيجياته المتقدمة فقد يقوده ذكاؤه وقدراته العقلية واجتهاده أن يحقق درجة في أعلى التسعينات مثل 97 % وربما 100 %، وهو ما حدث مع هذه الطالبة، ولا شك أن مثل هذا التصرف غير حكيم لأن مثل هؤلاء الطلاب المتفوقين عقليا لا يجب أن يقدموا على أداء الاختبار لأول مرة بطريقة استهتارية تجلب حولهم الشكوك وتدخلهم في هذه الدوائر من القرارات الإدارية بحجب درجاتهم العالية.
وأنوه إلى أنه مع كون القضاء قد أنصف هذه الطالبة إلا أن أي حالة أخرى مماثلة لا يمكن أن يضمن لها نفس الحكم فقد تختلف بعض الظروف، كما أن اختلاف القاضي يؤدي إلى اختلاف الاجتهاد القضائي فيصدر حكما مختلفا، ولذلك أنصح جميع الطلاب الذين قد يرون في مثل هذا الحكم أملا لهم في عدم حجب درجاتهم مستقبلا أن لا يعولوا على ذلك كثيراً، ولكن فقط يستفيدوا من هذا الدرس وأخص بالتحديد الطلاب المتفوقين أكاديمياً أو المتقدمين عقليا فلا يقدموا على مثل هذه الخطوة بإجراء الاختبار الأول بشكل تجريبي، وهم لم يفهموا فكرة الاختبار وطريقته وأهم أساسياته.