المهندس/ ناصر بن عبدالله العبدالقادر
حققت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة إنجازات ملموسة في مجالي التوطين والمحتوى المحلي، ضمن مستهدفات رؤية 2030 الرامية إلى تعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل، ودعم الصناعات والمنتجات المحلية.
فعلى صعيد التوطين، واصلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية جهودها المتقدمة عبر إصدار مجموعة من القرارات الوزارية التي استهدفت توطين المهن تدريجيًا، استنادًا إلى التصنيف السعودي الموحد للمهن، مما أسهم في خلق آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين. وقد انعكست هذه الجهود بشكل إيجابي في انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى 6.3% في الربع الأول من عام 2025، مسجلًا أدنى مستوى تاريخي مقارنة بنسبة 12.8% في عام 2018.
وفي المقابل، حققت هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية تقدمًا ملحوظًا في تعزيز المحتوى المحلي من خلال توطين عدد كبير من المنتجات في مختلف القطاعات الاقتصادية. فقد تم إدراج منتجات جديدة ضمن القائمة الإلزامية للمحتوى المحلي، ليتجاوز إجمالي المنتجات المدرجة 1.200 منتج موزعة على 13 قطاعًا. كما شملت جهود الهيئة رفع نسبة المحتوى المحلي في عدد من المكونات والقطاعات ذات الأثر الاقتصادي المباشر، ورفع نسبة المحتوى المحلي في إهلاك الأصول الأجنبية من 20% إلى 30%. إلا أن رفع نسبة المحتوى المحلي في تعويضات القوى العاملة الأجنبية من 37% إلى 53.4% قد لا ينسجم كليًا مع التوجهات الهادفة إلى تعزيز فرص التوطين، حيث يمنح وزناً أكبر للإنفاق على العمالة الأجنبية ، مما يحدّ من الأثر الإيجابي على تمكين الكوادر السعودية.
وعلى الرغم من أهمية تضمين عنصر القوى العاملة ضمن معادلة المحتوى المحلي، إلا أن هذا الجانب يتقاطع بشكل مباشر مع اختصاص وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ما يستوجب إعادة النظر في هذا التداخل، بهدف توضيح الأدوار وتعزيز التكامل بين الجهات ذات العلاقة.
الجدير بالذكر أن معادلة احتساب المحتوى المحلي تعتمد في جوهرها على حجم الإنفاق، بينما ترتكز آليات التوطين على عدد الموظفين، دون النظر إلى حجم الإنفاق على الوظائف المستهدفة، مما يكشف عن فجوة منهجية يمكن معالجتها لتحديد الأثر الحقيقي للتوطين.
وانطلاقًا من ذلك، فقد حان الوقت لتبني نموذج تكاملي بين الجهتين، يشمل:
* إعادة تقييم إدراج القوى العاملة ضمن مكونات المحتوى المحلي، عبر حذف هذا العنصر وإسناد ملفه بالكامل إلى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
* استفادة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من تجربة هيئة المحتوى المحلي في تطوير آليات احتساب التوطين، بحيث لا تُبنى النسب على عدد الموظفين فقط، بل تُربط بحجم الإنفاق على الوظيفة المستهدفة، بما يعكس القيمة الاقتصادية الفعلية للتوظيف، ويجعل التوطين أكثر واقعية وفعالية.
وبذلك يتحقق تكامل فعّال بين الجهتين، بحيث:
* تركز هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية على مكونات المحتوى المحلي المرتبطة بالأصول، والسلع والخدمات، والتقنية، والتصنيع المحلي، بما يُسهم في تطوير القطاعات الإنتاجية ورفع مساهمة المحتوى المحلي في الاقتصاد الوطني.
* تتولى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ملف التوطين بشكل شامل، مع تطوير أدوات قياس أكثر دقة وعدالة.
إن هذا المقترح لا يسهم فقط في توضيح الأدوار والمسؤوليات بين وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، بل يدعم أيضًا رفع كفاءة الأداء وتحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية، من خلال تعزيز التناغم المؤسسي وتوحيد المنهجيات التنظيمية.
كما يُسهم في تخفيف الأعباء على الجهات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، التي تواجه حاليًا ازدواجية في المتطلبات المرتبطة بالقوى العاملة؛ حيث يُطلب منها الامتثال لمتطلبات وزارة الموارد البشرية بشأن نسب التوطين، وفي الوقت ذاته لمتطلبات هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية المتعلقة باحتساب القوى العاملة ضمن معادلة المحتوى المحلي.
وقد أدى هذا التداخل فعليًا إلى تشتيت الجهود، وتكرار المتطلبات والتقارير، وارتفاع التكاليف التشغيلية دون تحقيق الأثر المرجو، مما يجعل من إعادة تنظيم هذا الجانب خطوة ضرورية نحو تحقيق التوافق المؤسسي، وتسهيل الامتثال، ورفع كفاءة التنفيذ.