عبدالعزيز صالح الصالح
ما أحوج المرء في هذا العصر بالذات إلى التحلي بمبادئ الأخلاق التي تحمل بين طياتها وجنباتها معاني عديدة ومقاصد جسيمة في حياة البشريَّة كافَّة فهي مفخرة عظيمة لكل من يتحلى بها وبمقاصدها ومن تتبع مقاصد هذه الكلمة الجميلة في جلب المصالح النافعة ودرء المفاسد السَّيِّئة، فإن الهدف من ذلك ممارسة هذه المبادئ الأخلاقية في حياتنا العمليَّة مفهومها الإيجابي وذلك من أجل جلب الأهداف الخيرة بجميع صورها المشروعة فإن إصلاح الأخلاق وتزكيتها غاية عظيمة ومطلباً مهماً فقد سعى إليها سائر الأنبياء - فقد قال نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه (وإنما بُعِثْتُ لأُتَمِّم مَكَارِمَ الأَخْلاَق). وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (أَكْمَلُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارُكمُ وخيارُكمُ لنسائهم) رواه الترمذي.
من دعاء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (اللَّهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلاَّ أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت).
وقد أجمع الحكماء من البشر قديماً وحديثاً على أن الاهتمام بمبادئ الأخلاق سبب لبقاء الأمم كما أن انهيارها سبب لفنائها وإنَّما تبقى الأمم ما بقيت أخلاقها وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنَّ الُمؤمِن لَيُدرِكُ بحُسنِ خُلقُه دَرَجَة الصَّائم القَائمِ) رواه أبو داود.
إن الدعوة إلى الأخلاق من أهم المقاصد والمطالب فما أحوج الأمَّة اليوم إلى الامتثال بمبادئ أخلاق الانبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام نقتبس من نورها ونهتدي بمعالمها ويتعلم النَّاس منهم العدل والصِّدق والإخلاص والوفاء والحياء والعفة - فإن المتفائلين بمجد الأمَّة الإسلاميَّة وعظمة تاريخها قديماً وحديثاً، فإنهم يتداركون أنفسهم، ويستدركون ما فاتهم، ويعملون على أن يملأوا الفراغ الكبير من حولهم وأمامهم بكل المعطيات الجمالية البانية، كل المدى... ولابُدَّ من إدراك معطيات مبادئ الأخلاق التي تكبر بالأفعال وتصغر بالانفعال... وإنَّما... الفارغ الحقيقي من لا يعرف قيمِّة مبادئ الأخلاق، ولا يحسن التفرغ للتأمَّل والتفكر في تصرفات أفراد الأمَّة فيما بينها، وإلا فما قيمة المرء أن يكون في معزل عن هذه الأمور وإن الأمم الراقية التي تتحلَّى بهذه الصِّفات الأخلاقية تجدها متماسكة مترابطة تتفاعل بمفكريها وأدبائها ورواد حضارتها ونهضتها الشَّاملة لكل مناصي الخير والحقِّ والجمال. فإن رحاب المعرفة، أوسع الدروب والآفاق إلى تحقيق ما هو مطلوب تحقيقه فإن الأمة العظيمة الحيَّة هي التي تسابق الأمم والشّعوب المتطلعة إلى غد أفضل ومستقبل مشرق، لا تتحقق ذلك الصِّفات إلاَّ بالعودة إلى النبع!! وإلى جوهر الدِّين الحنيف! وإلى صفاء القصيدة الإسلاميَّة، وإلى الخلق، وإلى التراث الراسخ.
لا أعتقد أن هناك جهلا في حياة كل إنسان منا، ولكن هناك بالطبع إنساناً لا يعطي أهمِّيَّة لهذه الصِّفات العاليَّة التي يتحلَّى بها البعض من أفراد الأمَّة. فالثَّقافة تهذيب للخلق وارتفاع بالأفكار وليس لها وطن - وتمثل المقدرة والكفاءة، وتدل على الفضل والتميز في مقابل اللغة الدارجة، فالأسلوب في اللُّغة يعني الطريق أو المذهب أو الاتجاه، فاللُّغة الأدبيَّة صفة تختص بالمتحدث، ولكن للأمور الأخلاقيَّة بعداً أعمق في عمليَّة الإبداع، ومقدار الجهد المبذول في الأسلوب الأدبيِّ.
ختاماً - ولكن هذا الأمر لا يمنع من التفاؤل بوعي جديد من قبل أفراد الأمَّة أن يتحلوا بمبادئ الأخلاق الراقية، حتى نعمق الوازع الديني في نفوس الكل قولاً وعملاً فهو انتصار الرُّوح على الجسد، والعقل على الهوى، والإرادة الإسلاميَّة على كل الأمور.
والله الموفِّقُ والمعين.