د.محمد بن عبدالرحمن البشر
إيران تلقت ضربة موجعة جداً لبرنامجها النووي من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتبين أن دفاعاتها الجوية لا تكاد تذكر، وقواتها الجوية غير موجودة إطلاقاً، ولديها عدد من الصواريخ الفاعلة نسبياً وعدد كبير من المسيرات البطيئة، كما أنها شهدت اختراقات هائلة لأمنها الوطني، ويبدو أن عملاء الدول الأخرى لاسيما إسرائيل والغرب تسرح وتمرح كيفما تشاء، لسنين عديدة، تجمع المعلومات عن كل شاردة وواردة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وأهم من ذلك القدرات العسكرية والنووية وأماكن تصنيعها، ومصادر المستورد منها، وتعلم تحركات وبيوت القيادات السياسية والعسكرية والعلمية، ومن شبه المؤكد أن الشركات المسؤولة عن التقنية المدنية والعسكرية سواء منها المحلية أو الأجنبية مخترقة بشكل واضح، فأصبحت إيران مكشوفة بشكل تام، ولا أدل على ذلك من أن إيران أعلنت رسمياً القبض على أكثر من سبعمائة عميل في اثني عشر يوماً، وربما الذي لم يتم القبض عليه بالآلاف. الغريب في الأمر أن أمراً مشابهاً قد حدث وظهر مع حزب الله بما في ذلك قصة البيجر الشهيرة وقبل أسابيع معدودة مما أصاب إيران، ومن العجب أن تبني دولة ما صرحاً حساساً مثل برنامج نووي متقدم، ويحدث لحليفها حزب الله ما حدث، وهي غافلة عن نفسها، يقول الشاعر:
ومن رعى غنماً في أرض مَسْبَعَةٍ
ونام عنها تولَّى رعيها الأسدُ
نحن نعرف أن هناك مشاكل داخلية كبيرة في إيران اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية أيضاً، وأمر آخر مهم جداً وهو علاقاتها غير الجيدة مع جيرانها خلال سنين مضت، مع علمها أن هذه الدول لاسيما الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية دول سلام وخير، وأنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، سواء إيران أو غيرها، وهذا عامل أمني واقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي فرطت فيه إيران، لأن التقارب مع هذه الدول يساعدها كثيراً في علاقاتها الدولية والاقتصادية، ويجلب لها الخير دون خسارة لها تذكر.
في ظل هذا الواقع الذي تعيشه إيران بعد أن حطت الحرب رحالها، ووقف أزيز الطائرات وصوت المتفجرات، ربما أن متخذي القرار هناك سيطرحون الكثير من الاختيارات والأولويات، وربما تكون الدفاعات الجوية على رأس الأولويات لكن هيهات، فروسيا لها حساباتها الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وهي في حرب ضروس ومصيرية مع أوكرانيا والغرب جميعاً من ورائها، كما أن علاقاتها مع إسرائيل قوية جداً، وعدد من اليهود في إسرائيل هاجروا من روسيا لهذا يصعب عليها الانخراط في مد يد العون لإيران، والصين لها إستراتيجيتها القديمة قدم تاريخها، وهي البعد عن التدخل المباشر في النزاعات، وكوريا الشمالية ليست قوية في دفاعاتها الجوية كقوتها الصاروخيّة أو النووية، وصناعات إيران الدفاعية غير قادرة على مجابهة القوة والتقنية الأمريكية ومعها إسرائيل.
أما القوات الجوية فهي غير موجودة إطلاقاً، ولن تستطيع فعل شيء فيه، وتبقى قوتها الصاروخية وكذلك المسيرات القوتان الوحيدتان اللتان يمكن أن تعملا شيئا ما، فهل تستغل إيران الوقت لتطويرها وزيادة إنتاجها بعيداً عن عين الرقيب، أما البرنامج النووي فيبدو أن مستقبله على المدى القريب والمتوسط يصعب بعثه، ويبقى لديها أنفع الحلول وأيسرها وهو التقارب مع دول الخليج وتحسين علاقتها بها، وكذلك النظر إلى حلول دبلوماسية مناسبة.