كتبتها: الفنانة مها الكافي:
في قلب هذه اللوحة التشكيلية تتعانق الرموز بصدق يلامسك.. يلامس الوجدان. فمنذ اللحظة الأولى التي تقع فيها العين على الكتلة العمرانية المشرقة بالألوان الدافئة، تدرك أن الفنانة لا ترسم جدرانًا صامتة، بل تبوح بحكاية البيت السعودي الكبير، حيث الإنسان هو جوهر المكان.
ترتفع المباني في خطوط عمودية، تشبه نبضًا حيًا يربط الأرض بالسماء، وتتدرج الألوان بين الأحمر والبرتقالي والأصفر، وكأنها شلال من العاطفة الدافئة. هنا يصبح اللون لغةً بحد ذاته؛ لغةً تقول إن الحب هو الأساس الذي يقوم عليه كل بيت وكل وطن.
الشبابيك الكثيرة ليست تفاصيل عابرة، بل نوافذ تفتح مساحات التعبير، وتشير إلى تلك الثقافة العريقة التي جعلت العمارة الإسلامية فنًا يقدّر الضوء ويستأنس به. الشبابيك هنا مرآةٌ داخلية، تسمح للنور بالدخول وللروح أن تتنفس، وتجسد انفتاح الإنسان السعودي على محيطه دون أن يتخلى عن خصوصيته.
أما الشخوص التي تستند إلى هذه البنية العمرانية، فتبدو متماهية معها، ممتدة للأعلى، مستندة إلى جذورها ولكنها تنشد الارتقاء. أجسادها النحيلة كالأوتاد، ووجوهها الغامضة كأنها تروي حكايات كل من عاش هنا: الجد الذي غرس القيم، الأم التي احتضنت العائلة، الأب الذي بنى البيت، والأطفال الذين يملأون النوافذ بالضحك والنور.
في الخلفية، يلوّن الأزرق الفضاء، ليذكرنا أن الوطن لا يكتمل إلا بأفق واسع يترك مكانًا للأمل والطموح. اللون الأبيض يضيء التفاصيل، وكأنه يعيد التوازن إلى المشهد ويرسخ الإحساس بالصفاء.
هذه اللوحة لا تجسد ولا تحتفي بالجمال البصري فقط، بل تحتفي بفلسفة عميقة: إن العمارة ليست حجارة، بل ذاكرة راسخة جذورها ومشتركة وباقية.
وأن العائلة ليست مجرد أشخاص، بل تآلف مشاعر ورؤية تفسر معنى الوجود.
وأن الوطن ليس خارطة، بل شعورٌ مختلط بين الخب والانتماء والتضحية يحتضننا جميعًا.
إن كثرة الرمزية فيها تكشف قدرة الفنانة على صهر مفردات التراث والحداثة معًا، في عمل يقدّم رؤية معاصرة لجذور لا تموت. هنا، يلتقي الفن بالهوية، ويصبح كل تفصيل في اللوحة مرآةً للثقافة السعودية التي جعلت الضوء والإنسان والوطن روحًا واحدة.