محمد العويفير
في المشهد الرياضي المحلي لا يكاد يخلو موسم أو فترة انتقالات من تكرار نغمة مألوفة: (نحن الأقل دعماً)، تتبناها الجماهير ويرددها الإعلاميون، ويتبناها حتى بعض المسؤولين في إدارات الأندية، والغريب أن هذه النغمة لم تعد حصرية على الأندية ذات الموارد المتواضعة أو التي تعاني من عجز مالي، بل أصبحنا نسمعها اليوم من أندية تُصنف ضمن أندية الصندوق، تلك التي تُمنح فرصاً كبيرة لإبرام صفقات نوعية، وتُهيأ لها بيئة تنافسية عالية وتحقق ألقاباً موسمية.
بعض الأندية وتحديداً أندية الصندوق باتت تمارس تصدير فكرة المظلومية وكأنها واقع لا يقبل النقاش، يُبرم النادي صفقة من العيار الثقيل بملايين الريالات، تُعلن عن مشروع تدريبي ضخم، وتُحقق بطولة كبرى، ثم لا يلبث إعلامه وجماهيره وبعض مسؤوليه أن يعلنوا عبر المنصات أن (النادي لا يزال الأقل دعماً).
كيف يمكن تفسير هذا التناقض الفج؟ لماذا يتم تصدير هذه الفكرة بهذا الإلحاح حتى وهي تتعارض مع الواقع القائم على الإنجازات والدعم الفعلي؟
ولعل من أبرز أسباب استمرار هذه الظاهرة هو الغموض والتكتم الذي يحيط ببرنامج الاستقطاب، وعدم وضوح آلية الدعم بشكل معلن وشفاف، فالبرنامج رغم جهوده الكبيرة في تطوير كرة القدم المحلية إلا أنه ما زال يتحفظ كثيراً على تفاصيل مهمة من المفترض أن تُعرض على الشارع الرياضي، فهذا التكتّم يُنتج بيئة خصبة للتكهنات والادعاءات، ويمنح كل طرف فرصة لتشكيل روايته الخاصة، لكن حتى مع وجود هذا الخلل في الشفافية فإن تصدير الأندية لمظلومية نحن الأقل دعماً لا يمكن أن يُقبل كحقيقة مطلقة، بل هو في كثير من الأحيان محاولة ذكية للهروب من ضغط الجماهير أو للتهيئة المسبقة لتبرير أي إخفاقات مستقبلية، ما يحدث هو أن خطاب المظلومية بات يُستخدم كسلاح معنوي يخلق حالة تعاطف ويقلل من سقف التوقعات ويمنح الإدارة هامش تحرك أكبر دون محاسبة، بل إن بعض الجماهير باتت تتلذذ بهذا الخطاب وتعتبره جزءاً من هوية النادي، وكأن المظلومية إنجاز بحد ذاته، والغريب في الأمر أن هذا الخطاب لا يختفي حتى مع النجاحات، يفوز النادي ببطولة، يُنهي صفقات كبرى، وتبقى الجماهير تردد: (مع كل هذا، ما زلنا الأقل دعماً). وكأنها لاتعرف أن تفرح ولا تريد أن تتخلى عن هذه الهوية حتى في عز الإنجاز، من المهم أن تعي الأندية خصوصاً تلك التي تحظى بامتيازات الصندوق أن الشفافية في سرد الوقائع أهم بكثير من كسب تعاطف آني.
ولبرنامج الاستقطاب، فإن الوقت قد حان لأن يُعيد النظر في طريقة تعامله مع المعلومات ويقدم للشأن الرياضي كشفاً دورياً دقيقاً لما يُقدم للأندية، كي لا يُترك المجال مفتوحاً أمام كل نادٍ ليشكّل مظلوميته الخاصة، وينشئ حولها أسطورة جماهيرية يصعب تفكيكها لاحقاً.
رسالتي
ليس كل من ادّعى القلّة مظلوماً، ولا كل من كَثُرَ دعمه منتصراً، ولكن الحقيقة لا تُخفى طويلاً على من يرى بعين الوعي لابعين الولاء ، وحين تصبح المظلومية رداءً دائمًا، يصعب على صاحبها أن يلبس ثوب الإنجاز.
** **
- محلِّل فني