سلمان بن محمد العُمري
يروي أحد المختصين في مجال الحاسب الآلي أنه قبل عشرين عاماً التقينا بأحد المسؤولين لبحث تطوير الخدمات إلكترونياً وتسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير الوقت على المراجعين، وكنت أتوقع أن يكون الرفض والامتعاض من الموظفين التنفيذيين، وإذا بالاعتراض والممانعة والتعطيل تكون من رأس الجهاز..؟!
وقد قال لي في حينها ما الذي بقي لنا إذا كان المراجع يقضي أموره عبر الحاسب الآلي (لم يتطور الجوال آنذاك)، وأين ستكون الوجاهة الاجتماعية إذا لم نقض للناس حاجاتهم عبر تواقيعنا المعتادة!
هذا هو حال بعض المسؤولين في القطاعات ممن تسنموا مناصب أو مراكز قيادية أو حتى رئاسة إدارات سواءً خدمية أو غيرها، ويعتقدون أنهم مخلدون فيها، وتتعجب من التصرفات اللامسؤولة عند البعض بسوء التعامل مع الموظفين أو المراجعين بعنجهية وصلف تارة، أو كبرياء وغرور تارة أخرى.
وتلك السلوكيات المشينة ليس لكبر المنصب أو الشهادات العالية أثر فيها، فهذه الممارسات الخاطئة تعبر عن بيئة تلك النوعية من البشر، وما تربوا عليه ولا يعلم هؤلاء أن الغرور والتكبر والكذب سيؤول مصيره إلى الذل والهوان، ولا يبقى إلا الأثر الحسن والسيرة العطرة بعد تركك العمل، أو مغادرتك الحياة الدنيا.
يقول البروفيسور الدكتور نيفزات تارهان: «إن الكبرياء الذي يُعرف في المجتمع باسم الغطرسة ليس مرضاً في الواقع، ولكنه عرض من أعراض المرض ومشكلة في الشخصية، والغطرسة هي شعور الشخص الشديد بالعظمة، هناك بنية شخصية نسميها النرجسية؛ فهؤلاء يرون أنفسهم مميزين ومتفوقين ومختارين، كما أنهم يرون الآخرين على إنهم صغار».
مما يؤسف له أن هناك بعض البشر إذا تسلموا كرسي الإدارة في وظيفة ما، فإن الغرور يناله، والعناد يصبح مطيته، ويساهم بتعطيل مصالح الناس ومنافعهم يرفع أنفه إلى السماء غروراً وكبرياء، وكأنه لا يوجد على سطح الأرض من يوازيه ويماثله، ينظر إلى مراجعيه بتعال وكبرياء وخيلاء، ويحاول تعقيد معاملات الآخرين، كي يلفت الأنظار بكثرة توسلات المراجعين له، وكأنه يتمتع بلذة تعذيب الآخرين والإساءة إليهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة!
وأمام تلك النوعية من البشر هناك من المسؤولين القياديين الذين غادروا المنصب، وبصماتهم خالدة وضاءة، بحسن تعاملهم، وكريم أخلاقهم، النابع من طيب معشرهم، وحرصهم على تيسير أمور الناس وتسهيلاً لهم، وتذليل الصعاب وحل المشكلات، مع ابتسامة ووجه مشرق منير.
في تصوري أنه من الأهمية بمكان عقد دورات تأهيلية لمن سيجلس على كرسي الحلاق مقصدي» كرسي الإدارة»، لأن هذا التشبيه ملائم، فلو دامت لغيره ما وصلت إليه، وأرى أن الشهادات ليست معيارا للجودة، بل المعيار الأساسي العقل والحكمة الذي يجب أن يوضع في الحسبان، لعل الرسالة وصلت.