د. ناهد باشطح
فاصلة:
«حين خرجت من الباب متجهًا إلى الحرية، علمت أنني إن لم أترك مرارة الحقد والكراهية ورائي، فسأبقى سجينًا».
- نيلسون مانديلا.
* * * * *
من منا لم يُجرح أو يُخذل ويختار أن ينأى بقلبه عن الأذى سواء اختار الغضب الصامت أو الانتقام!
كنت أظن أن التسامح مجرد كلمة جميلة، حتى اضطررتُ أن أختارها في لحظة كانت تفيض بالألم والخذلان.
لم يكن اختيار التسامح سهلاً ولم يكن الطريق إليه مفروشاً بالورود، بل كانت الخطوات فيه تدمي القلب فأنت رغم الجراح والذكريات تختار أن تسامح!
قرأتُ كثيراً وبحثت كثيراً لأتخذ قرار التسامح أولاً ثم لأعرف كيف أسامح، كيف أعفو وأصفح!
كنت أقرر مسامحتهم فيأذونني فأعود إلى مساحة الغضب ولوم الذات والحزن مرة أخرى، ويصعب علي أن أسامح من جديد فأنكفئ على جراحي.
لكن شيئًا في داخلي كان يعرف أن الحرية لا تأتي إلا عندما نُفرغ القلب من السُم رحمةً بنفسي.
وكان أن قررت أن أجرب الصيام عن الكلام، حينها اقتربت من الله وسألته أن يساعدني لأسامح، فحدث ما لم أكن أتوقعه..
ذات صباح، استيقظتُ دون أن أشعر بثقل الروح المحملة بالجراح، شيء في داخلي بدا مختلفًا، كان هو أن قد سامحتهم وطلبت الله أن يسامحني.
لم يكن التسامح لحظة بطولية، بل تراكم فترة طويلة من البكاء، والتأمل، والكتابة، والدعاء..
شيء ما تحرر بداخلي، وكأنني أعدتُ قلبي إليّ. لم أعد أبحث عن اعتذار، ولا عن عدالة، لقد شعرت أني نجوت.
ستعرف أنك سامحت حين لا تعود مهتماً بأعذار من أذوك فالتسامح الحقيقي لا يحتاج اعتذارًا من الآخر، بل يحتاج شجاعة أن تختار الشفاء.. أن تحرر الروح من ثقل الكراهية والغضب، أن تعيد التوازن لذاتك، قبل أن تسامح الآخرين.
حين تسامح فأنت لا تمنح الآخرين البراءة، أو تبرر لهم ما فعلوه، بل تمنح نفسك الحرية والتنفس براحة، لأنك تستحق السلام
لقد سامحت، لم أكن أفعل ذلك من باب المثالية، بل من باب النجاة.
الروح لا تسمو وهي محمَّلة بالكراهية. وقد كنت أبحث عن النقاء.. عن خفة الروح، ومن أراد أن يسمو، عليه أن يغتسل بالتسامح.
«في لحظة النصر، قالها النبي صلى الله عليه وسلم، بقلب ممتلئ بالرحمة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
لم تكن مجرد كلمات.. بل إعلان حقيقي عن أخلاق القوة.
أن تكون قادرًا على الانتقام، ثم تختار العفو، هو قمة النبل الإنساني.
واكتشفت أن التسامح لم يعمل على شفاء الروح ولكنه عالج الجسد وذلك مثبت علمياً، ففي دراسة أجرتها جامعة فيرجينيا على 108 من الطلاب والطالبات استعرضوا مواقف خذلان مرّوا بها من قبل الوالدين أو الأصدقاء، أظهرت المؤشرات الحيوية أن من اختاروا التسامح تراجع لديهم الجهد القلبي، واستعادت أجسادهم توازنها بسرعة أكبر.
عندما تسامح ستشعر بأن قلبك اغتسل بطهارة عجيبة وتستطيع أن تتفهم لماذا البعض لا يستطيع أن يسامح، لأن قلبه لا يزال ينزف.
بعض القلوب تخاف إن سامحت أن تعود لنقطة الألم من جديد.
أو أن التسامح يعني التنازل عن الكرامة، أو إنكار الجرح، أو إعطاء من أذى فرصة أخرى.
التسامح قرار يحتاج إلى وقت، إلى مساحة تُعاد فيها ترتيب المشاعر، وقرار أنك تستحق أن تنفض غبار الماضي لتبدأ من جديد.
المصادر
- Lawler, K. A., Younger, J. W., Piferi, R. L., Jobe, R. L., Edmondson, K. A., الجزيرة Jones, W. H. (2003). A change of heart: Cardiovascular correlates of forgiveness in response to interpersonal conflict. Journal of Behavioral Medicine, 26(5), 373-393. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/14570527