د. محمد عبدالله الخازم
يعدُّ المجلس العلمي أهم مكونات الجامعة الذي تستمد منه قوتها وتميزها ونزاهتها الأخلاقية والمهنية لا سيما في مجال البحث العلمي والتعيينات والترقيات. لذا يتوجب أن يكون الأكثر استقلالية وأخلاقية وانضباطية في قراراته وآليات عمله. تعوَّدنا في الجامعات السعوديَّة أن يرأس وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي مجلسها العلمي. هذه ممارسة تحتاج إلى مراجعة لتكرر الملاحظات حول الأداء العام لتلك المجالس وحدوث اختراقات لبعضها يؤثِّر على قُوَّتها وحياديتها العلميَّة. فضلاً عن التدخلات التي قادت إلى أَدْلجَة البحث العلمي وربط مخرجاته وما له علاقة بتعيين وترقية أعضاء هيئة التدريس للتجاذبات الأيدلوجية والفئويَّة، بل إن ضعف المجالس العلمية أساء لبعض جامعاتنا عبر ممارسات شهرت بها دولياً. تلك حكايات ممتدة، لسنا في وارد تعميمها، لكنها موجودة بشكل ما أو بآخر، وتم توثيقها عبر عدة مصادر محلية ودولية ومنها توثيقي للتدخلات الأيدلوجية في الجامعات السعودية عبر كتاب «اختراق البرج العاجي» الصادر عام 2011م.
وكيل الجامعة يَتمُّ اختياره في منصبه لأداء مهام إداريَّة تتمثَّل في معاونة مدير الجامعة إدارياً بالدرجة الأولى، وبالتالي فالمطلوب فيه أن يكون صاحب خبرة إداريَّة وفي عمله يشرف على كلية الدراسات العليا وبرامج الدراسات العليا ويشرف على مراكز البحث العلمي وعلى معاهد ومراكز البحوث ويرتبط بمعالي مدير الجامعة إداريًّا وبالمانحين للبحث العلمي والمنفذين لمشروعات الدراسات العليا وغيرها من المهام المتشعبة والمتضارب المصالح في بعضها. بمعنى آخر؛ إدارة الجامعة - وهذا أمر طبيعي- تختار من تراه الأنسب لمساعدتها إدارياً في تلك المهام، دون التركيز في التفاصيل العلمية والمهنية الأخرى.
أمام ذلك أكرر اقتراح منح المجالس العلميَّة بالجامعة مزيدًا من الاستقلاليَّة بعدم فرض رئاستها من قبل وكيل الجامعة للبحث العلمي والدراسات العليا، بل لتصبح كيانات مستقلة بذاتها، فبعد أن يَتم تعيين ممثِّل أو ممثِّلين لِكُلِّ كلية (حسب حجم الجامعة) وممثِّل لطلاب الدراسات العليا، سواء كان اختيارًا مباشرًا أو عن طريق الانتخاب، يتولى أعضاء المجلس العلمي اختيار رئيس له ونائب له - بشكل دوري - من بينهم بالاقتراع/ الانتخاب السري. ولتوضيح الفكرة أقارب المسألة بالقطاع العدلي؛ المجلس العلمي يشبه مجلس القضاء المعني بتعيين وترقية القضاة بينما وكالة الجامعة تمثِّل الجانب التنفيذي الإداري كما هي المحاكم. مع ملاحظة تنوّع وتعدّد الممارسات العالمية في هذا الشأن؛ نحن جربنا لسنوات طويلة ربط رئاسة المجلس العلمي بوكيل الجامعة، فلم لا نفكر بطريقة أخرى؟
لن أكتب عن لوائح وسياسات ونماذج المجالس العلمية وبيروقراطيتها، فتلك تفاصيل تطول. لكن لعل استقلالية المجلس العلمي في الجامعة وانتخاب رئيسه يسهم في منحه قوة إضافية، حيث سيكون الاختيار بناءً على تنافس وإجماع أغلبية وسيحرص رئيس المجلس العلمي على تطوير أعماله وأدائه لأنّه يعلم أنها مهمته التي سيُقاس إنتاجه واختياره عليها، مقارنة بوكيل الجامعة الذي يراها مجرد مهمة إدارية ضمن عشرات المهام. سيدرك أنه مطالب بتحقيق تطلعات سامية أهمها تعزيز النزاهة والمصداقية والعدل والحياد وليس رضا المدير أو العميد أو داعم الكرسي البحثي أو داعم البحث العلمي. طبعاً، في هذه الحالة يستوجب التنظيم ربط المجلس العلمي بمجلس الجامعة مباشرة.