د. عبدالرحمن أباذراع
في زحام الحياة وتسارع الأيام، يبحث الإنسان عن السعادة كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. يتوهم البعض أن السعادة في المال، أو الجاه، أو السفر، لكنها في الحقيقة أقرب مما نتخيل.
في إحدى قرى نيبال النائية، عاش رجل فقير لا يملك سوى كوخ من طين وقطعة أرض صغيرة، لكنه كان يُعرف في قريته بلقب «أسعد رجل في الجبل». سُئل ذات مرة عن سره، فقال: «أرضيت قلبي قبل أن أُرضي ظروفي، وتصالحت مع يومي قبل أن أطلب الغد.
إن السعادة ليست محطة نصل إليها، بل أسلوب حياة. ألم يقل الشاعر:
ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ
ولكن التقيّ هو السعيدُ
والأمثلة لا تنتهي. انظر إلى عبد اللطيف، معلم بسيط فقد بصره في الأربعين من عمره، لكنه أعاد اكتشاف الحياة عبر قراءة الكتب الصوتية وتدريب الصغار على النطق. قال ذات مرة: «فقدت بصري وكسبت بصيرتي.» إنه وجد السعادة في العطاء.
وفي دراسة أجريت في جامعة هارفارد استمرت 75 عامًا، توصل الباحثون إلى أن أقوى مؤشر على السعادة ليس الثروة، بل جودة العلاقات الإنسانية. حين نجد من يسمعنا، يساندنا، ويضحك معنا من القلب، نمتلك كنزًا لا يُقدّر بثمن.
ولأن السعادة تنبع من الداخل، فإن إحدى وصفاتها البسيطة هي الامتنان. كل صباح، اكتب ثلاث نِعَم تشكر الله عليها. الأمر بسيط، لكنه يُحدث فرقًا حقيقيًا.
اصنع لنفسك من الرضا مرفأً
وابتسم للكون، تلقَ الجمالا
لفتة نفسية
قد تكون وصفة السعادة مكونة من الرضا، والامتنان، والعلاقات الطيبة، لكن المكون السري هو «نظرتك أنت». فكلما صفَت رؤيتك للحياة، زادت قدرتك على التذوق النفسي للحظات الصغيرة. السعادة لا تأتي دفعة واحدة، بل تزورنا في التفاصيل… فلنحسن استقبالها.
** **
- إعلامي وأكاديمي